كتاب إنطلاق الروح - كتب البابا شنودة الثالث

· · 26048 كلمة · 123 دقيقة قراءة

قصة هذا الكتاب؟ 🔗

بدأ حياته كمجموعة مقالات كتبتها في مجلة مدارس الأحد ، من سنة 1951 بعنوان { إنطلاق الروح }، وأنا رئيس تحرير لهذه المجلة قبل رهبنتي …

ثم نشرت إدارة المجلة هذه المقالات سنة 1957 في كتاب وأضافت إليها قصائد من الشعر سبق نشرها في المجلة أيضاً .

وكان هذا أول كتاب مطبوع يُنشر لي . وقد منحه الرب نعمة في أعين الكثيرين ، فأعيد نشره مرات .

وفي الطبعة الرابعة أضيفت إليه بعض تأملات وقصائد كتبتها وأنا راهب قبل سيامتي أسقفاً.. مع مقدمة هي في واقعها مقال آخر في إنطلاق الروح .

وفي الطبعة الخامسة أضيفت مقدمة أخري، عن إنطلاق الروح وترجم هذا الكتاب إلي الإنجليزية تحت عنوان :

The Release of The Spirit

ها هي ذي الطبعة السادسة بين يديك .

ونرجو في الطبعة السابعة – إن أحيانا الرب وعشنا – أن نضيف مقالات أخري عن إطلاق الروح أيضاً

البابا شنوده الثالث


← تم مراجعة نص الكتاب لغوياً لتصحيح الأخطاء الإملائية عند إعادة كتابته على الكمبيوتر من قِبَل أبانوب حنا .

← يُمكنك قراءة كتاب إنطلاق الروح على هاتفك الأندرويد عبر تطبيق كتب البابا، نزله من هنا .


الإنطلاق من معرفة الخطية 🔗

إن تحدثنا عن انطلاق الروح، فَعَلَّهُ يقف أمامنا هذا السؤال. من أي شئ تنطلق الروح ؟

ونجيب بأن الروح وهي علي الأرض، تجاهد لكي تنطلق من أشياء كثيرة ، سوف يحدثك عنها هذا الكتاب..

غير أن هناك شيئاً آخر مهما حاولت الروح أن تنطلق منه علي الأرض، فلا أظن أنها تستطيع!.. ربما الانطلاق منه هو أحدي المتع التي ننالها في الأبدية.. فما هو هذا الشئ ؟

إنه : الانطلاق من معرفة الخطية.

عندما خُلق الإنسان الأول، خلقه بسيطاً نقياً لا يعرف خطية علي الإطلاق، ولا تفاصيل الخطايا، ولا أسماءها.. كان كذلك، قبل أن يأكل من شجرة معرفة الخير والشر.. كان في براءة الأطفال، وربما أكثر…

ولذلك حينما أغريت حواء من الحية، ما كانت تعرف.. كذبت عليها الحية وقالت " لن تموتا " .. وقالت { تصيران كالله ..}{تك5:3}. وحواء ما كانت تعرف أن هناك شيئاً اسمه الكذب. وما كانت تشك في صدق الحية، لأنها ما كانت تعرف الشك.

كان آدم وحواء لا يعرفان سوي الخير فقط. أما الشر، فما كان يعرفانه. ولكنهما لما آكلا من الشجرة دخلتهما معرفته. دخلت إلي الإنسان معرفة جديدة، هي معرفة الخطية.

بل معارف أخري عديدة، عَكّرَت صفو النقاوة الطبيعية الأولي، ينطبق عليها قول الحكيم
" الذي يزيد علماً ، يزيد حزناً " {جا18:1}.

ولعل أول شئ عرفه آدم، أنه عرف أنه رجل وأن حواء امرأة ، وبدأت معرفة الجنس تدخل إلي ذهنه، ثم إلي مشاعره وعرف أن هذا شئ يخجل منه، فبدأ يغطي نفسه. ثم عرف الخوف، فبدأ يختبئ وراء الأشجار. وبمرور الوقت بدأ الإنسان يعرف خطايا عديدة جداً.

واصبحت هذه المعرفة راسخة في ذهنه، تثير عليه حروباً روحية في بعض الأوقات. وان لم يقع في هذه الخطايا، قد يقع في إدانه غيره عليها. وأصبح الإنسان يعيش في ثُنائية الخير والشر، الحلال والحرام. فمتي يتخلص من هذه الثنائية ؟
ومتى يرجع عقله إلى نقاوته ؟ ومتى تزول من ذهنه معرفة الشر. سواء أكانت وصلت إليه عن طريق العقل، أو عن طريق الخبرة، والممارسة ؟ متى يتخلص من تذكار الشر المُلْبِس الموت ؟ ..

لا أظن ذلك يحدث على الأرض اطلاقاً ، اما يحدث في الأبدية حسبما قال القديس بولس الرسول حينما كان “يسكب سكيباً ووقت انحلاله قد حضر” قال لتلميذه تيموثاوس.
{ وأخيرا قد وضع لى اكليل البر }{ 2تى8:4 }.
اخيرا سيتكلل الانسان بالبر… البر الذي لا يعمل خطية والبر الذي لا يعرف خطية، والبر الذي لا يعرف خطية ..
يتكلل بالقداسة التي بدونها لا يعاين أحد الرب. ولكن متي ؟
يجيب الرسول مكملاً حديثه عن أكليل البر " الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل. ليس لي فقط، بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضاً"..

إكليل البر هذا ، هو الشهوة التي تنطلق إليها الروح ..
أما على الأرض ، فإننا كل يوم نخطئ ، وفي كل يوم نحتاج إلى توبة . ولا يوجد إنسان بلا خطية ، ولو كانت حياته يوماً واحداً على الأرض …

متى ننطلق حقاً من معرفة الخطية ؟ ولا نعرف إلا الله وحده وما يحيط به من نور، ليست فيه ظلمة البتة.

سيكون لك حينما نلفظ ثمرة معرفة الخير والشر التي أكلها ابونا في ذلك الزمان. وحينئذ نعود إلى رتبتنا الأولى ..

بل إننا في الأبدية، سنكون في حالة أفضل من حالة آدم في الفردوس. فآدم وحواء كانا في حالة بر، مع إمكانية السقوط. أما في الأبدية فسوف نتكلل بالبر، البر الذى لا توجد فيه أية إمكانية للسقوط.

فإن كنا سنصير في حالة أفضل من حالة الإنسان الأول قبل السقوط ، فعلي الأقل سنشابهه في البراءة والنقاوة والبساطة وعدم معرفة الخطية.

سننسى الخطية بكل صورها وكل تفاصيلها وكل ذكرياتها. ولا تبقى في أذهاننا إلا إيجابية الحياة الروحية ، في محبة الله ، والتأمل في صفاته الجميلة ، والتأمل في السماويات ، وما لم تره عين ، أو تسمع به أذن ، أو يخطر علي قلب بشر. بهذا تكون الروح قد وصلت إلي قمة إنطلاقها.

أما هنا علي الأرض، فأقصى ما تصل إليه الروح هو الإنطلاق من سيطرة الخطية والمادة والجسد، لكي تحيا طليقة { تعتنق من عبودية الفساد ، إلى حرية مجد أولاد الله }{رو21:8}.

هل شعرت أن روحك وصلت إلي هذه الحرية ؟ 🔗

هل الحرية هي إنطلاق الروح. إنطلاقها من كل قيد يعوق وصولها إلى الله .. وكيف ذلك ؟

هنا أتركك أمام هذه التأملات التي كتبت غالبيتها في بداية الخمسينات، قبل دخولي إلي الرهبنة …

البابا شنوده الثالث


يُمكنك قراءة كتاب إنطلاق الروح على هاتفك الأندرويد عبر تطبيق كتب البابا، نزله من هنا .


أعترف أمامك يا رب أن إتجاهي في الكتابة كان ينبغي أن يتغير. وأعترف في خجل أمامك أننى كثيراً ما حدثت الناس عن الفضيلة، وقليلاً ما حدثتهم عنك، بينما ينبغي أن تكون أنت الكل في الكل..

غير أننى لكي أتحدث عنك، لابد أن أعرفك. وكيف أعرفك، وأنا إنسان محدود ؟! بل كيف أعرفك وأنت غير المدرَك، وغير المفحوص، أنت النور الذى لا يُدنَى منه، ولا يستطيع إنسان أن يراه ويعيش …؟!

وحاولت أن اسأل قديسيك الذين عرفوك ، أو الذين عرفوا عنك { بعض المعرفة } فاقتربت إلي بولس الرسول الذي صعد إلي السماء الثالثة ، وسألته عنك فقال أن الذي سمعه ورآه أمور { لا ينطق بها ، ولا يسوغ لإنسان أن يتكلم عنها }{2كو4:12}.

وكذلك يوحنا الحبيب الذي رأى بابا مفتوحاً في السماء ، وشاهد عرش الله ، لم يشرح لنا رؤياه إلا في رموز لا يمكن أن تعطي الصورة الذاتية للحقيقة كما هي ..

وأحيانا أسأل نفسي : أهي كبرياء منى أن أحاول أن أعرفك بينما ما أزال جاهلاً بحقيقة نفسى، وما أزال جاهلاً بكثير من الأمور البشرية والمادية ؟ إن كنت لم أعرف كنه ذاتي، فكيف أعرف خالق هذه الذات ؟

وإن كنت لم أعرف بعد سماءك وملائكتك ، فكيف أعرف ذاتك الإلهية .

كل ما أعرف عنك ، هو ما تكشفه لنا من ذاتك. وأنت لا تكشف لنا إلا ما تستطيع ذاتنا أن تحتمله. لأنك إن كشفت لنا أكثر، ستقف طبيعتنا البشرية مبهورة في دهش، وقد وقف عقلنا عن الفهم، وعجزت مفرداتها اللغوية عن التعبير، وتعترف أن ما تراه هو من الأمور التي لا يُنطق بها. وأنا أحاول في معرفتك أن أخرج عن نطاق الكتب بكل ما فيها من عمق ، بل أن أخرج أحياناً عن حدود معرفة العقل، لكى أعطى للروح في إنطلاقها مجالها الواسع الذي تفوق فيه في قدراتها وفي مواهبها، وفي معرفتها .. كما أنها تُقاسى كثيراً من ضباب هذا الجسد المادى.

أترانا يارب سنعرفك إذن في الملكوت الأبدي ؟ وسننظرك حينذاك وجها لوجه كما قال عبدك بولس ؟ أراني حقاً حائراً أمام عبارة { وجهاً لوجه }.

أننا في الملكوت على الرغم من القيامة الممجدة، وما سنلبس من أجساد نورانية روحانية، لابد أننا سنظل – كما نحن – بشراً محدودين …

ستكشف لنا شئياً عن ذاتك لم نكن نعرفه في العالم، فَنُسَرّ بذلك ونفرح، ثم تكشف لنا اكثر فأكثر، على قدر ما نحتمل. وقد تكشف لنا أكثر فتصرخ نفس كل واحد مِنَّا وهي مريضة حُبّاً { كفانا كفانا }.. وتظل أنت توسع في قلوبنا، وتوسع في أرواحنا لنستوعب عنك المزيد .. وتظل أنت يارب كما أنت … غير محدود ، .. ونظل نحن – كما نحن – على الرغم من إتساعنا، محدودين، نعرف عنك بعض المعرفة ..
ويطول بنا الزمن في الأبدية. ونحن نستمتع بمعرفتك، نذوق وننظر ما أطيب الرب، ونكشف كل حين شيئاً جديداً عنك، فتتغذى بهذه المعرفة الحلوة المشبعة ولكننا لا يمكننا أن نلم بك كلك.

إذن متى نعرفك المعرفة الحقيقية ؟ 🔗

يجيب ربنا يسوع ويقول { هذه هى الحياة الأبدية، أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك … “… إذن فمعرفتك ليست موضوع سنين أو أيام، وإنما طريقها هو الأبدية كلها، الأبدية التى لا تنتهى .. إن كان الأمر هكذا في الأبدية ، فماذا نقول إذن عن جهالتنا على الأرضى ؟ أحقاً نحن نعرف شيئاً ؟

لذلك أتوسل إليك أيها الخالق العظيم ، أن تعذرنى إن كنت أحدث الناس عن الفضيلة أكثر مما أحدّثهم عنك.. فذلك يرجع إلى سببين :

السبب الأول 🔗

هو أننى لا أعرف. كل ما أعرفه هو أننى أصلّى إليك أن تكشف لي شيئاً عن ذاتك، وما تكشفه لي أخبر الناس به، لكى يجربوا مذاق الملكوت علي الأرض.

والسبب الثانى 🔗

هو أنّنى عندما أحدثهم عن الفضيلة إنما أريدهم أن يعدّوا قلوبهم لمعرفتك. أريدهم أن يرفعوا البخور عشية وباكر على هذا القلب حتى يستحق أن تقدم عليه السرائر الإلهية.

ونحن بذاتنا لا نعرف، لكننا نريد بنعمتك – أن نعد ذواتنا لمعرفتك ، وهذه المعرفة تأتي منك أنت، بما تكشفه لنا، ولا تأتي بمجهود عقولنا، ولا حتي بمجهود أرواحنا. إن كل جهاد عقولنا وأرواحنا – مع ضرورته – إنما يدخل في حقيقته تحت معني الصلاة أو التوسل، لكي يملأ السحاب البيت، وتشتعل النار في العليقة، ويكشف الرب ذاته .. وحينئذ يسجد القلب في خشوع، ويرتل في شكر { أعطيتني علم معرفتك }.

هذه المعرفة الإلهية هي اللؤلؤة الكثيرة الثمن، التي من أجلها باع التاجر كل أمواله و اشتراها. ولعلّه من الأموال التي باعها ، ما نكنزه في عقولنا من معارف بشرية متعددة تشغل كل أوقاتنا حتى لا نتفرغ لمعرفتك أنت، وحتي لا نجلس مع مريم عند قدميك تسكب في قلوبنا ذلك الماء الحى، الذي كل من يشربه لا يعود يعطش أيضاً …

ليتنا نسعي إلي هذه المعرفة، ونطلبها بكل قلوبنا، ونحويها في داخلنا، في عمق أعماقنا، حيث تسكن أنت، وحيث هيكلك المقدس الذي تدشن يوم المسحة المقدسة منك.

25 ديسمبر سنة 1973
16 كيهك سنة 1690


يُمكنك قراءة كتاب إنطلاق الروح على هاتفك الأندرويد عبر تطبيق كتب البابا، نزله من هنا .


كانت الساعة السابعة مساءً، والسكون يخيّم على أرجاء المكان ، حين بدأت وأبي الراهب نضرب بأقدامنا في رمل الصحراء ، نتمشى حيناً ونقف حيناً آخر، متأملين في موضوعات أسمى من أن يكتبها قلم بشري.. وقد طال بنا التجوال ونحن لا ندرى ، أو نحن لا نود أن ندرى، حتى استقر بنا المَطاف أخيراً علي عَتَبَة الدير، فجلسنا نناقش موضوع.

رواسب وقيـود 🔗

لست أعنى أنطلاق الروح من الجسد ، ذلك المعنى الذي قصده سمعان الشيخ حين قال “{ الآن يا رب أطلق عبدك بسلام حسب قولك .} إنما أعنى إنطلاق الروح وهي ما تزال في الجسد ، انطلاقها من كل ما يحيطها من رباطات وقيود ،حينيبدأ السلام الكامل ويعيش الإنسان في حرية اولاد الله .

أترى يا أخى العزير الطفل بعد عِماده وروحه حرة طليقة كما أوجدها الله فيه ، ثم أتعرف ماذا حدث لها ؟!

لقد ارسب عليها العالم والعرف والبيئة رواسب عدة ، وتقيدت من جاء ذلك وغيره بقيود كثيرة تعوقنى انطلاقها إلى حيث تريد ان تذهب لتتحد بالل وتثبتفيه ، وكل ما يبحث عنه أولاد الله هو إنطلاق الروح من كل هذا : انطلاقها من قيود العالم والبيئة ، وانطلاقها أيضاً من قيود الحس والحكمة البشرية .

وهنا التفت الأب الراهب وقال : هل يحسب البعض أن السيد المسيح عندما قال : { ان لم ترجعوا وتصيروا مثل الاطفال لن تدخلوا ملكوت السموات } كان يقصد { أن لم تصغروا وتصيروا مثل الأطفال { كلا . بل كان يود أن يقول :{أن لم تكبروا في الروح جداً حتي تصيروا مثل الأطفال فلن تدخلوا ملكوت السموات } ؟

قيـود الحِس 🔗

وقف أمام القديس مقاريوس الكبير راهب حاربه البر الذاتى حتى ظن أنه تخلص من الزنا وحب المال والغضب ، فسأله الأب القديس عَمّا يشعر به إذا رأى امرأة : فقال أعرف أنها أمرأة ولكنى أهرب لئلا أشتهيها . فسأله أيضاً عن شعوره أذا راى مالا ملقى في الصحراء ، ايستطيع أن يفرق بينه وبين الحصى
فأجاب بأنه يستطيع ذلك ولكنه يمنع نفسه من محبة المال ، وسأله القديس ثالثاً عن شعور إذا أهانه أحد ، فأجاب بأنه يحس أنه أهين ولكنه لا يبيت الغيظ في قلبه . وهنا التفت القديس إلي الراهب وأخبره أنه ما يزال تحت الآلام . وأنه في حاجة إلي جهاد أكثر . وبدأ يعظه ..
أنهل قيود الحس يا صديقي القارئ التي تجعل المرء يفرق بين الرجل والمرأة المتقدمة في السن والفتاة الشابة ، وبين الفتاة { الجميلة } و { غير جميل}.
أنها قيود الحس أيضاً التي تجعله يفرق بين النقود والحصى … وماذا أذن عن الاهانة والمديح ؟.
ذهب أحد الرهبان الي القديس مقاريوس وطلب منه نصيحة ، فامره القديس أن يذهب ويمدح الموتى فذهب ومدحهم فلم يرد عليه منهم احد ، فأمره القديس أن يذهب ويشتد عليهم في القول ، ففعل ذلك فلم يرد عليه أحد .
فقال القديس للراهب : وهكذا أنت ما دمت قد مت عن العالم فيجيب أن تشبه هؤلاء الموتى ، لا تتأثر في شئ ، وإنما سيان عندك أن مدحك الناس أو ذموك ..
وفي أحدى المرات احضر أحد الأثرياء هبة مالية إلي الدير لتفرق علي الرهبان ، ولكى يقدم رئيس الدير لهذا الثرى عظة عملية ، وضع المال جانبا وامر بدق الناموس فاجتمع الرهبان ، فطلب إليهم الأب الرئيس أن يصنعوا محبة ويأخذوا ما يحتاجونه من هذا المال ، ولما شيئا رغم الإلحاح الشديد ، تأثر الرجل الثرى جداً ، وطلب أن يترهب ..
أن العالم يا اخى الحبيب والجسد أيضاً قد ارسب على احساساتنا رواسب عديدة كان من نتائجها أن أشياء عالمية كثيرة مأدية وجسدية أصبحت تبدو لنا فى صورة اجمل من غيرها واكثر جاذبية وأعمق أثرأ في النفس . وعندما تسموا الروح ، وعندما تنطلق إلي حد ما مما يعرقل طريقها من القيود ، عند ذلك سيرقى احساسها جداً ، أو قل ستنطلق من الحس العالمى ، وتفهم الأمور بادراك آخر روحى .
هل إذا طال بك السفر بعيداً عن أسرتك ، ثم قابلتهم بعد هذا الفراق الطويل فعانقوك في محبة وفي شوق زائد ، هل وسط تلك المحبة التي سبحت فيها روحك ، ستحس أن اباك الرجل يختلف عن أمك المراة ، وأخيك الفتى ، وأختك الفتاة . وهل عامل الأنقاذ في الحرائق أو حوادث الغرق يحس أن الجسم الذى يحمله منقذا إياه

من الهلاك ، هو جسم فتى أو فتاة ، أو رجل أو امرأة ؟ . كلا بل أؤكد لك انه لو أحسن شيئاً من هذا لعرض نفسه للموت هو ومن يعمل على إنقاذه .
ألا ترى أذن أن الروح تسمو على الحس ، وان هناك أوقات يتعطل فيها الحسن كليا او جزئيا لانهماك الروح فيها هو أعظم ؟ ..
وهكذا أنت في حياتك الروحية عليك أن تتخلص بقدر الإمكان من قيود الحس . وعندئذ ستنظر إلي الأمور بمنظار آخر : سوف لا تحاربك الشهوة ، شهوة العين أو شهوة الجسد أو شهوة المال أو شهوة الناسء أو تعظم المعيشة . بل تكون كملائكة الله فى السماء تنظر إلي كل شئ بتلك { النظرة البسيطة } التي قال عنها السيد المسيح فى عظته علي الجبل : رأن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيراً }{مت22:6}.
علي أن هذه الأفكار لم تكن موضوع الحديث بين أبى الراهب وبيني ، فقد كنا نتكلم فيما هو أعمق من ذها ، فى موقف الحس عند تفهم الإلهيات والتأمل فيها : أن الإحساس الجسدى جسدى ومحدود لذلك فهو لا يستطيع أن يفحص الله الروح غير المحدود . ثم أن الحس البشرى عرضه للخطأ ، وكثيراً ما يخطى في التمييز بين الخطأ والصواب .
لقد رجع التلاميذ الي السيد المسيح فرحين وقالوا له : {حتى الشياطين ايضاً تخضع لنا باسمك } فرد عليهم السيد : {لا تفرحوا بهذا }{لو10: 17، 20} إذ أن إحساسهم كان خاطئاً .
أنظر ايضاً إلي القاتل الذى ثأر لنفسه أو أنتقم لشرفه ، ألا يغمره أحساس بالرضى كأنه أتى عملاً جليلاً . أنه حس خاطئ . وانت كذلك يا اخي المحبوب قد تراودك في صلواتك وخلواتك وتأملاتك احساسات كثيرة : أمتحنها جيداً فقد تكون أحساسات بشرية غير سليمة .. وحاول أن تطلق روحك من قيود الحس .
بقى أن اقول لك الاحساس بالعالم وموجوداته يتعطل عند الاستغراق في الإلهيات . كانت حنه تصلي في الهيكل . كانت منسكبة النفس أمام الله فلم تشعر بما يدور حولها حتى أن عالى الكاهن حسبها سكرى فقال لها :{إلي متى تسكرين . قومى انزعى خمرك عنك }.{1صم1: 13، 14}.
وهكذا أنت : أن كنت منصرفا بكليتك إلي الصلاة أو التأمل فسوف لا تشعر اطلاقاً بما يدور حولك . قد يتكلم البعض غلي جوارك وقد تقود ضجة . وقد تتهادى مناظر كثيرة ، وأنت لا تدرى عن كل ذلك شيئاً لأنك منهمك فى أمور أخرى في عالم الروح . أن حسك معطل نسبيا لأن روحك ؟ لا ادرى ، ولكنى أعلم ان القديس يوحنا القصير كانت تمر عليه في تأملاته فترات يتكلم فيها الناس إليه فلا يسمع صوتهم ولا يدرى
ماذا يقولون ، ويسأله السائل مرة أخرى فيجيبه القديس { ماذا تريد يا ابني ؟} ويكرر السائل طلبه ولا يسمعه القديس أيضاً . لأن روحه منشغله بأشياء أخرى أهم وأعمق وألصق بالسمع والذاكرة . وكانوا يسألونه أحياناً أسلئة فيجيبهم عنها بتأملات لاهوتية لا علاقة لها بما يسألونه عنه ، لأنه لم يسمع ما قالوه .
كانت روحه منطلقة من الحس ….
الإنطلاق من { الحكمة البشرية } أيضاً .
والآن ، ماذا أقول ؟هل أقول أن تنطلق الروح من نطاق الحكمة البشرية أيضاً ؟ يخيل إلي انني أود أن أقول هذا { ألم يجهل الله حكمة العالم }{لأن الرب يعلم أفكار الحكماء باطلة {لأن حكمة هذا العالم هي جهالة عند الله } لأنه مكتوب { الآخذ الحكماء بمكرهم }{1كو1 : 20 ، 3: 20 ، 19}.
علي الرغم من أن العقل البشري – منذ موجوده – قاصر ومحدود ، الا أنه كان في حالة افضل يوم خلق الله العالم ونظر إلي كل ما عمله فاذا هو حسن جدا .. ولكن الخطية والعالم وما ورثناه عن القدامى من أفكار وابحاث وخبرات وعادات وتقاليد ونظم وشكلبات . كل ذلك أرسب علي العقل البشرى رواسب كثيرة حتى اصبح – زيادة على قصوره – معرضا للخطأ فى كثير من أحكتمه . وهكذا لا يستطيع وحده أن يفهم الله أو يفحصه ، والذين يظنون أنهم حكماء وعقلاء ويعتمدون على حكمتهم وعقلهم هم ابعد الأشخاص عن الروحيات والإلهيات . وهذكا قال معلمنا بولس الرسول : {وكلامى وكرازتى لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية المقنع بل من الله .. لا بأقوال تعلمها حكمة إنسانية بل بما يعلمه الروح القدوس قارنين الروحيات بالروحيات}{1كو2: 4، 12، 13},
أرأيت يا أخي الحبيب بطلان الحكمة البشرية .. فهل يلغى الله الحكمة على وجه العموم ، كلا . بل يؤيدها . وهكذا يقول معلمنا بولس في نفس رسالته : { لكننا نتكلم بحكمة بين الكاملين ، ولكن بحكمة ليست من هذا الدهر ولا من عظماء الدهر الذين يبطلون ، بل نتكلم بحكمة الله فى سر },

لذلك إذا أردت لروحك ان تفهم مقاصد الله ، فأطلقها أولا من حكمتك البشرية ، وقف أمام الله جاهلاً فارغا من كل علم وفهم ، حينئذ ستمتلئ بالمعرفة الروحية الكاملة ، وليست المعرفة البشرية القاصرة { لأن الروح يفحص كل شئ حتى أعماق الله.
أليس هذا ما يعنيه معلمنا بولس الرسول اذ يقول : {ان كان احد يظن أنه حكيم بينكم في هذا الدهر فليصر جاهلا لكى يصير حكيما }.{1كو18:3}.
تقدم الى السيد المسيح رجل ذو يد يابسة بطلب الشفاء فأمر السيد أن يمد يده فمدها فصارت سليمة
{مت12: 10، 13}. وتؤخذ هذه الحادثة دليلا على قدرة السيد وهذا صحيح ، ولكن لها وجهاً آخر وهو تحطيم نطاق الحكمة البشرية . لو كان هذا الرجل متمسكاً بالحكمة البشرية لجادل السيد في الأمر :{ كيف أمد يدا يابسة ؟ هل اليد اليابسة تمتد . ولو كانت تمتد فما حاجتي إلي الشفاء ؟ أشفني أولا ثم أمدها } أما هذا الرجل فصار جاهلاً لكى يصير حكيما . فتجاهل الحكمة البشرية التى لا تؤمن بامتداد اليد اليابسة . والتى لا تؤمن لا بانتقال الجبل من موضعه ، ولا بمشى الرجل على الماء ، ولا بعد التفكير في الغد ..
انها الحكمة البشرية التى جعلت الناس يضعون الله تحت المجهر هو وصفاته وتعاليمه !. وهى { الحكمة } التى جعلت البعض يقبلون من الإنجيل ومن قوانين الكنيسة ما يرونه بأفكارهم صحيحاً ، ويرفضون
ما لا يتفق ومنطقهم العقلى ..
أما أولاد الله فيتناولون كل شئ ببساطة وبغير تعقيد تريدنا يارب ان نمشى في البحر الأحمر ؟ سنمشي اذن لأنك لابد تشق لنا فيه طريقا فلا نغرق .
هناك أسطورة تقول أن البحر الأحمر لم ينشق عندما ضربه موسى بعصاه ، وإنما انشق حالما رفع أول رجل قدمه ليضعها في الماء : انها مجرد اسطورة ولكنها تحمل في طياتها معنى ساميا من معاني الروح .

أود أن أخبرك الآن أن الروحيات
في الصحراء والجبل لها طابعها
الذي يختلف عن طابع الروحيات
في المدينة فمن أهم القيود الــتي
تتـــعب العــــــابد فــــى المــــــدن


يُمكنك قراءة كتاب إنطلاق الروح على هاتفك الأندرويد عبر تطبيق كتب البابا، نزله من هنا .


ولقد جربت هذا بنفسي ، كنت منذ سنوات فى معسكر فى ألماظة وهى بقعة صحراوية تقع على بعد أميال من ضاحية مصر الجديدة . وكنت متعودا أنا وأحد أخوتى من مدارس الأحد أن نصعد على أعلى رابية فى تلك الصحراء لنقضى وقتا فى الصلاة والتأمل . وكانت مصر الجديدة ، تلك الضاحية الفخمة فى مبانيها وشوارعها وتنظيمها وسكانها أيضاً ، تظهر لنا على بعد كشئ ضئيل تافه على مرمى النظر فى خط الأفق . ولم يكن يبدو منها غير بعض اضواء بسيطة : لعاملين بسيطين هما عامل البعد وعامل الارتفاع . وكنا نشعر ان روح كل منا انطلقت من احترام الطول والعرض والارتفاع ، والفخامة والضخامة . والتنميق والترويق ، وتساوى امامها القصر العالى والبيت الصغير ، إذ لا يبدو شيء من كليهما . بل كنا نشعر بسعادة ولذه روحية ونحن جالسان على الرمل فوق تلك الرابية المرتفعة ، سعادة لم نجدها في المدن في يوم من الايام .

وفي عطلة من المعسكر رجعنا إلي القاهرة وأقول لك الحق با أخي الحبيب انني انزعجت من هذه العاصمة الصاخبة . وكنت اسير في الشوارع وفي رأسى واذني بركان ثأئر من ضجيج الناس وصوت السيارات والترام ووسائل المواصلات المتعددة . وعرفت وسط هذا الصخب اننى لست بقادر أن افكر تفكيراً منطقيا مرتبا متلاحقا ، كما كنت أفعل فوق الرابية المرتفعة .

وعندما أغلقت علي باب مخدعي ووقف للصلاة ، لم أستطيع أن اصلي ، كانت الجدران الأربع التي للغرفة بمثابة حاجر منيع يفصلني عن التمتع بالله . واقول لك في صراحة أنني خرجت من غرفتي دون أن اصلي وسرت بعيداً بعيداً أبحث عن فضاء هادئ مرتفع لا اري فيه امامي الأبنية والمنشئات ، وتصغر فيه نواحي العمران والمدينة ، وبعد حوالي الساعة من السير وجدت مكانا فيه شئ ضئيل مما أطلب ، وهكذا رجعت إلي منزلي ضيق النفس مشتاقاً إلي رابيتي المرتفعة مرة أخري …

وانقضت اشهر المعسكر ورجعنا إلي العاصمة ، ووجدت نفسي مضطراً إلي تعود الصلاة بين الجدران الأربع . ولكن ذكريات تلك الرابية المرتفعة ما زالت خالدة امام عيني حتي اليوم ، ولكي أحصل علي جانب من التعويض كنت – بعد أن أنتهي من درسي في مدراس الأحد ، اصعد وأخوتي الشبان إلي سطح الكنيسة المرتفعة لنلقي نظرة علي القاهرة ، فنراها ايضاً في ظلمة المساء شيئاً ضئيلاً لا تبدو منه أشباح أبنية تلمع فيها تلك النقط البيضاء المضيئة .

أن روحك يا أخي الحبيب تود أن تنطلق هي ايضاً كالطير من غصن إلي عصن ، تود أن تصير كالملائكة الذين يسبحون في السماء بغير روابط او قيود . وأن لم تستطع هذا باستمرار ، فلا أقل من تهيئة فرص في بعض المناسبات …

ان هذا يجعلني اتخيل التامل اغزر وأوفر بالنسبة إلي البحار والفلاح وسكان الجبل وساكن الصحراء .. ويخيل إلي أننا سنصير كذلك عندما نتخلص من نطاق الجسد ونصعد إلي فوق ، حيث الله والملائكة والقديسون . وقدتناولت هذا الموضوع مع ابي الراهب ، فحدثني عن اختبار روحي آخر ، حكي لي كيف انفرد في قلايته ثمانية وعشرين يوما في مستهل حياته الرهبانية . قابعا بين الجدارن الأربع ، لا يري أنسانا ولا يتصل بانسان ، مجاهد في صراع عنيف بينه وبين الله ونفسه ، وكيف كانت تلك الحقبة من الزمن فترة { غربلة } قاسية لنفسه ، استطاعت فيها الروح ان تنطلق شيئا فشيئاً من قيودها الكثيرة إلي الله ، وتغصب منه الوعود أغتصابا …

وبعد ذلك خرج الراهب من قلايته وقد تسوت أمامه الجدران واللا جدران …


يُمكنك قراءة كتاب إنطلاق الروح على هاتفك الأندرويد عبر تطبيق كتب البابا، نزله من هنا .


وهنا أقدم لك في هذا الموضوع مرحلة من مراحل الروحانية أسمي وعمق . كانت المرحلة الأولي هي التبرم بالجدران الأربع ، أما هذه فهي مرحلة عدم الاحساس بالجدران الأربع ، حيث تجلس في غرفتك . وتستغرق في صلاتك او تاملاتك أو قراءتك ، حتي لا تعود تشعر بكل ما حولك ، وإنما تعيش في عالم آخر يسمو علي الحس ، لا تعرف فيه هل أنت في غرفتك أم في فضاء الدير ، هل قلايتك لها جدران أن ليس لها ، بل اقول أنك في تلك الحالة لا تستطيع أن تميز هل انتقلت إليك السماء وأنت على الأرض ، أم انتقلت وأنت علي الأرض إلي السماء ؟ بل دعني اهمس في أذنك يا أخي الحبيب أن هناك أشخاصا لم يستطيعوا أن يدركوا – في حالات كهذه – هل هم في الجسد أم خارج الجسد كما حدث للقديس بولس الرسول ، وكما روي عن القديس يوحنا الأسيوطي والشيخ الروحاني ايضاً .

يتدرج بي هذا الموضوع ، موضوع إنطلاق الوح من المكان غلي تأمل آخر متعلق به وهو { الرؤي }.

سمعنا في هذا الأمر من قبل عن اختيارات القديسين يوحنا الحبيب والقديس بولس الرسول ، ويعوزنا الوقت أن استرجعنا اختبارات الأنبا انطونيوس والأنبا شنوده وغيرهما من القديسين الذين انطلقوا من اماكنهم وعاشوا بالروح في أجواء وبيئات أخري رأوا فيها أشياء عجيبة لا ينطق بها .

إنما أذكر هنا قصة رواها لي أحد اخوتنا الأحباء عن كاهن ممتلئ بالروح كان واقفا يصلي في المذبح فلما وصل في صلاته إلى عبارة { ورفع نظره إلى فوق ..} رفع نظره هو ايضاً ، وسادت الكنيسة فترة من الصمت العميق ، ومرت دقيقة ودقيقتان ودقائق كثيرة والكاهن القديس ناظر في صمت الي فوق في دهشة وذهول ، وطال الوقت جداً والشعب يتأمل كاهنه المبارك في صمت ، وبعد فبتة أخفض الكاهن بصره ، وأكمل صلاته في عمق وحرارة دون ان يحس فترة الصمت التي مرت به ، ولما أخبره أحد خواصه – بعد القداس – بما حدث وطلب منه ايضاح الأمر ، اضطرب ولم يحب ، ولمّا كثر عليه الإلحاح قال أنه نظر إلى فوق فإذا بالكنيسة وكانها بلا قبة ولا سقف ، وإذا به يتأمل سلما طويلا يصل المذبح بالسماء . فتأمله لحيظات كأنها جزء من الدقيقة ثم أكمل صلاته …

يتحدثون بعد ذلك عن الرهبنة كطريق إلي الخدمة ، وما أرى الرهبنة إلا طريقا إلي السماء تساعد فيه الخلوة والتأملات والجهاد المستمر على دوام أنطلاق الروح حتى تتحد بالله .

يخيل إلي يا أخي الحبيب أن هناك أشياء لاقولها له في هذا الموضوع .


يُمكنك قراءة كتاب إنطلاق الروح على هاتفك الأندرويد عبر تطبيق كتب البابا، نزله من هنا .


لم أكن في هذه المرة سائرا في
الصحراء ولا جالسا على عتبـة
الدير وإنما مع أبي الراهب أمـام
مغارته في الجبل ، نتابع حديثا
الماضي عمن هو :

الروح التي تود أن نتطلق يا أخي الحبيب هي الروح التي تدرك تماما قدر ذاتها ، والتي تعرف أنها عظيمة بهذا المقدار كله ، وأنها أكبر وأكبر جداً من أن يذلها الجسد أو تذلها البيئة او يذلها الشياطين .

ولكي أعطيك فكرة عن هذا الأمر ، يليق بنا جداً يا حبيب الله ان تبحث الأمر معا ، ونتذكر الماضي والحاضر والمستقبل ايضاً ، حتي ندرك أية قوة مخباة فينا ونحن لا ندري . نتذكر أن الإنسان هو الخالق الوحيد الذي خلق على صورة الله ومثاله {1} ، فإن طلب اليك ان تعرف ذاتك ، فقل في قوة وثقة { أنا صورة الله } .

وانت – كصورة الله – قد كتب لك الخلود . فمن المحال ان تفني . وهل يعقل أن يفني شخص علي مثال الله الخالد ؟! إذن فأنت أعظم من الجبل الشامخ ومن البرح الضخم ، أعظم من الشمس الملتهبة ومن القمر المضئ . أعظم من الصحراء الواسعة ومن السهل الفسيح . أعظم من الذرة المحطمة ومن كل قوات الطبيعة علي الإطلاق . فكل هذه الأشياء تزول ، لأن السماء والأرض تزولان كما يقول الكتاب {2} . وأما أنت فلك الحياة الأبدية كما وعدك السيد المسيح {3} أنت أنت يا صورة الله .

أنت ملك الأرض وما عليها 🔗

أنت يا أخي العظيم المخلوق الإلهي الوحيد ، انت – من دون الأرض وما تحتها وما عليها – المخلوق الذي أعطاه الله – كما أعطي الملائكة – موهبة العقل وموهبة النطق ، والذي اعطي أن يعرف الله ويتعبد له . أنت الذي جعل الله مسرته فيك ، وهذه الطبيعة كلها التي تظنها أحيانا أعظم منك ، ما خلقها الله إلا لتكون من خدمتك ، فتسخرها جميعا حسب ارادتك ووفق سلطانك …..

وهكذا خلق الله أولا كل شئ ، ثم أوجدك أخيراً ، لتكون ملكا علي كل ما خلقه من قبل ، تكون ملكاً على طيور السماء وسمك البحر وحيوانات البرية وعلى كل الأرض {4} أنت يا من تستضعف ذاتك وتخاف من الصقر والحوت والأسد وأشباهها ، من عبيدك الضعفاء الذين كانوا في خدمتك في يوم ما ..

لا تظن أنك كنت هكذا قبل الخطيئة فقط ، أنما كان الأبرار في كل العصور لهم هذه الهيبة وهذا السلطان ايضاً : ان شمشون قاضي إسرائيل ضرب الشبل بيده فوقع صريعا ، دانيال كان في جب الأسود ولم تضره
الأسود فئ شئ ، يونان ابتلعه الحوت وأخرجه دون أن يقوى على ايذائه ، والثلاثة الفتية دخلوا في أتون النار بردا وسلاما .. ومثل هذا يقال في العهد الجدي

  1. مت 24: 35
  2. يو14:4
  3. تك1: 26 و28

أيضاً علي القديس مرقص وأسده ، وعلي القديس بولس الذي نشبت افعي كبيرة في يده فنفضها إلى النار ولم يتضرر بشيء ردئ حتي تعجب الناس وقاولا { هو اله }{5} أنه أنت الذي أعطيت سلطانا أن تدوس الحياة والعقارب وكل قوة العدو {6} .

أه يا اخي الحبيب لو عرفت قدر روحك ، هذه التي تحبسها بخطيتك في سجن من الذلة والجبن والخوف ، وهي – من وراء قضبان سجنك – تتطلع إلي مجدها السالف وتود إنطلاقا ، لو سمحت أنت لها .

أنت المخلوق الإلهي 🔗

أنت { يا جبار البأس } مخلوق إلهي ، أنت الذي قال له الله البن أثبت في وانا فيك كما يثبت الغضن في الكرمة {7} . وأنت الذي يقرع الله علي بابك ويود أن تفتح له فيدخل ويتعسي معك وأنت معه وعندك يصنع منزلا {8} .

أنت الذي طلب منه ان يسعي ليصير مثل اله ، كما يظهر قول السيد له المجد { كونوا كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل }. أنت الشخص الذي وجد الله لذة في أن يدعوه ابنه ،

  1. أع82: 3- 7 .
  2. من صلاة الشكر
  3. يو4:15 .
  4. يو23:14 .
    أنت الذي صب الرب ماء وغسل رجليك ومسحهما بالمنشفة التي كان متزرا بها.
    أنت الوحيد الذي قيل عند أنك هيكل الله وروح الله يسكن فيك {11}.
    أنت الذي تشتهي الملائكة أن تكون مثلك ، يا من انت وحدك تتناول جسد الرب ودمه الطاهرين ، يا من قال الرب أنه يريدك أن تكون واحد فيه وفي الآب {12} .
    أنت الذي تخدمه الملائكة .
    ملاك الرب حال حول خائفيه وينجيهم {13} . ألم تر يا اخي المحبوب كيف أرسل الرب ملاكين لانقاذ لوط من سدوم ، وكيف أرسل ملاكه قسد أفواه السود أمام دانيال ، وكيف قال أليشع لتلميذه : { لا تخف لأن الذين مهنا أكثر من الذين علينا … وفتح الرب عيني الغلام فأبصر وأذا الجبل مملوء خيلا ومركبات نار
    {14}” وكيف أحضر ملاك الرب طعاماً لايليا وهو نائم تحت الرتمة فقال أيليا وأكل وشرب وسار بقوة
    تلك الأكلة أربعين يوما {15} وكيف حمل ملاك الرب حبقوب ليقدم طعاناً لدانيال في الجب {16}..

{10} 1كو15:6
{11}1كو16:3
{12} يو21:17
{13} مز7:34
{14} 2مل6: 15 –17
{15} 1مل19: 5- 9
{16} دا 14: 35- 38

ويعوزني الوقت أن أحدِّثك يا حبيب الرب عن الخدمات التي قدمها الملائكة لك ولاخوتك ، وعن أهتمامهم بك ، وشفاعتهم فيك انك مخلوق مهم . انت الذي دعت الها :
أنت يا أخي المحبوب الشخص الذي دعي الها من الله والناس ، { ألم أقل أنكم آلهة ، وبني العليّ تدعون
{17}وقال الله من قبل لموسى { أنا جعلتك إلها لفرعون {18} . ليس المقصود طبعا الالوها كالله ،
وإنما السيادة . واياً كان معني هاتين العبارتين فانهما تدلان بلا شك على المكانة الكبرى التي لك عند الله يا أخي الحبيب .


يُمكنك قراءة كتاب إنطلاق الروح على هاتفك الأندرويد عبر تطبيق كتب البابا، نزله من هنا .


أنت تحل وتربط في السماء 🔗

إن كان مما يرفع قدرك جداً أن يذهب السيد المسيح بنفسه ليعد لك مكاناً عن الآب في السماء ، ثم يأتي وياخذك إليه قائلا لك : {تعال يا مباركي أبي رث المُلك المُعَدّ لك منذ إنشاء العالم } أفليس بالأكثر تعلو نفسك في مقدارها علوا عندما يضع اله في يديك مفاتيح السموات ، ويقول لك : ما حللته علي الأرض يكون محلولاً في السماء وما ربطته علي الأرض يكون مربوطاً في السماء ، بل أكثر من هذا يعطيك سلطان الغفران واللا غفران {19}، يعطي كل هذا لك أنت أيها الإنسان ، يا صورة الله ومثاله ، بل يا من ظهر الله في شكله وأخذ جسدا مثله ؟، ناسوته لم يفارق لاهوته لحظة واحدة ولا طرفة عين .

(17) مز7:82
(18) خر1:7
(19) هذه العبارة تخص الكهنة طبعا ، والكاهن إنسان وهذه المقالة تتحدث عن الإسان من حيث كونه إنسانا ، بجميع أفراده ، وجميع الأجيال التي مر بها .

أنت صديق الله 🔗

تذكر ان الله – تسامت حكمته – قبل أن يحرق سدوم وعمورة يقول :{هل أخفي عن إبراهيم ما أنا فاعله . وإبراهيم يكون امة كبيرة وقوية ويتبارك به جميع امم الأرض {20} ؟! وهكذا يعلن الله مشيئته لصديقه إبراهيم ، ويناقشه إبراهيم في الأمر مناقشة فيها عتاب وفيها دالة وفيها جرأة .. حائا لك . أديان الأرض كلها لا يصنع عدلا {21} . وهذه دالة . ليست مجرد كلام عبد لسيده ، أو مخلوق لخالقه ، وانما هي عبارة صديق يعرف مكانته عند صديقه .

وهوذا موسى يفعل الأمر نفسه في حديثه مع الله ايضاً عندما أراد الله أبناء شعبه " والآن إن غفرت خطيتهم ، وإلا فامحني من كتابك الذي كتبت {22} " دالة وصداقة من غير شك !!

هل عرفت يا اخي قيمة روحك ، ومقدار عظمتها أمام الله أو تقبل بعد ذلك علي كرامتك أن يبعث بل شيطان حقير ، قد أعطاك الله سلطانا علي جميع الشياطين ؟! لا أظن ذلك.

(20) تك18: 17و18 .
(21)تك 18: 24- 26. (22) خر32: 33

… كان مستغرقا في نومه حين همس الكلام في أذنه { إلى متى تعيش هكذا ؟ ظلاً لإنسان آخر يتحكم فيك كما يشاء ؟! { وكان الصوت مترفقا نصوحا فلم يفزع ذلك النائم إنما رد في هدوء { ماذا تعني يا سيدي الملاك ؟} فأجابه الملاك { أقصد أنك في أفكارك وفي حياتي الروحية قد فقدت شخصيتك ، وأصبحت تعيش بشخصية غيرك . هناك رجل آخر كبر في عيني نفسه ، ثم ظل يكبر في عينك أنت ، حتي جعلته مثلك الأعلي تتبعه في كل شئ : ترتفع معه ان ارتفع ، وتسقط معه حينما سقط ، ، آراؤه آرائك ، وانحرافاته هي انحرافاته هي انحرافاتك ، بل انك تدافع عن أفكاره أكثر مما يدافع هي عنها . وأنت تؤمن بمبادئ هذا { السيد } دون نقاش ، يكفيك أن معبودك هذا قد نطق بها في وقت ما }.

واحس ذلك النائم أن كل مالقا الملاك صحيح ، ولكنه أراد توضيحا لموافقة فقال : { وهل من ضير يا سيدي الملاك في أن أتبعه ما دامت كل أفكاره سليمة ليس فيها شئ من الخطأ ؟ أليس من الجائز أن يخطئ كإنسان ؟ وإن أخطأ فكيف تعرف ذلك ، ما دمت لا تسمع الا أفكاره ولا تود أن تقبل غيرها ؟ وما دام كل شخص يعارض افكار هذا { السيد } هو في نظرك شخص لا يصح ان تستمع إليه ، وإن استمعت فبروح الجدل ، محاولا أن ترد علي كل فكرة وان تنقضها دون أن تتفهمها لا لشئ إلا لأنها تعارض آراء سيدك !! }.

وفرك النائم عينيه في خجل ليتحقق ما أذا كان صاحبا أم نائما بينما استمر الملاك في حديثه :{ان روحك حبيسة تود أن تنطلق ولا تستطيع ، لأنها مقيدة بقيود هذا الإنسان .. أنه يعطيك ممن المعلومات ما يريدك
هو أن تعلمه : يعلن لك ما يشاء من الحقائق ، ويحبس عنك ما يشاء . وحتي المعلومات التي عندك من ذاتك ، والتي تكتسبها من غير طريقه ، خاضعة هي أيضاً لمراجعته . أنك قد فقدت شخصيتك تماماً . وأصبحت لا تتصرف من تلقاء نفسك . كلما حاقت بك مشكلة تستصرخ به لينقذك . وكلما عرض لك أمر من الأمور لا تحاول أن تبث فيه بحل حتي يجئ { سيدك } ويحله . وإن تصرفت في الأمر يستطيع أن يلغي تصرفك ومتى يشاء في حياتك هو أن تصبح صورة باهتة من هذا الإنسان . شخصيتك التي خلقك الله بها قد ضاعت . وشخصيته هو لن تستطيع أن تصل إليها تماما ، لأن الظروف الروحية والعقلية والإجتماعية التي كونتها هي غير ظروفك . وهكذا أراك تتأرجح في وضع غير مستقر بين الحالتين } .

واستمع ذلك النائم إلي هذه العبارات وهو يشعر أنها تمس صميم نفسه ، بل أنه فيما بينه وبين نفسه يحس أنه قد أصبح ضيق الصدر بسلطان ذلك { السيد }.
وهكذا وجد الشجاعة في ان يطلب إلي الملاك أن يوجد له حلا فقال { ولكن أستطيع يا سيدي الملاك أن أناقش معلمي }؟ فأجاب الملاك :{ أقول لك – والقياس مع الفارق – أن الله يحب أن يكون أولاده أقوياء الشخصية حتي أنه كان يسمح لهم أن يناقشوه }. أنظر إلى أرميا وهو يقول { أبر أنت يارب من ان أخاصمك ولكني أكلمك من جهة أحكامك ، لماذا تنجح طريق الأشرار ، اطمأن كل الغادرين غدراً }{أر1:12} واستمع إلي إبراهيم وهو يناقش الله تمجد اسمه ويقول له { حاشا لك أن تفعل مثل ذها الأمر .. أديان الأرض كلها لا يصنع عدلا ؟ {تك25:18}. وانتقل معي أيضا إلي موسى وهو يكلم خالقه فوق الجبل بنفس الأسلوب فيقول له :{ ارجع عن حمو غضبك وأندم عن الشر }{12:32}.

فقال النائم للملاك { والآن ماذا تريد يا سيدي الملاك أن أفعل ؟} فجابه الملاك { أريد ألا تلقي قيادتك إلي إنسان معين ، وإنما استمع إلي الكثيرين ، واقرأ للكثيرين ، واستعرض ما تشاء من الآراء . وليكن لك روح الفراز ، فتميز الرأي السليم من الرأي الخاطئ ، وتعتنق من كل ذلك ما يناسب حالتك أنت بالذات من جهة تكوينك الروحي والعقلي ، وما يناسب ظروفك الإجتماعية والعلمية ، ويتناسب ايضاً مع سنك ، عالما أن هناك طرقا كثيرة تؤدي إلي الله ، وقد يكون الطريق الذي صلح لغيرك غير الطريق الذي يصلح لك أنت بالذات ، الطريق الذي أختاره لك الله – وليس الناس – دون غيره من الطرق .

… ثم استيقظ النائم من نومه ، ليري نفسه إنساناً جديداً قد انطلقت روحه ، حره من كل قيد ، تبحث عن الحق أينما وجد ولا تؤمن بعبادة الأشخاص …


يُمكنك قراءة كتاب إنطلاق الروح على هاتفك الأندرويد عبر تطبيق كتب البابا، نزله من هنا .


هل تود أن تكون كاملا يا اخي الحبيب ؟ وهل تريد أن تنطلق روحك انطلاقا إلي حيث لا قيود ولا حدود ؟ اذن فعليك قبل كل شئ ، أن تفرغ ذاتك من كل شئ : من كل ما أرسبه فوقك العالم من رغبات وعلوم واحاسيس ..

عليك أولا أن تنكر ذاتك ، وأن تقف أمام الله كلاشئ . اعرف نفسك بالحقيقة ، من أنت ؟ أليس مجرد حفنة تراب ، من تراب الأرض ..؟ بل أنت أقل من تراب . أنت عدم ، لا شئ مر وقت لم تكن فيه موجودا ، ومع ذلك كان العالم عالما ، من غيرك . ثم كونك الله أذ لم تكن : خلق التراب أولا ، ثم خلقك من تراب . علام إذن ترتفع ، ومن انت حتي ترتفع ؟ اخفض رأسك في خجل وذلة . فأنت عدم . وقف امام الله من انكسار نفسي وانسحاق روح ذاكراً أصلك القديم .

هل عرفت أنك عدم ؟ بل أصارحك ايضاً أنك أقل من عدم . فالعدم هو لا شئ خير من الخطية التي جلبها الإنسان إذ أن { تصور قلب الإنسان شرير كل يوم }{تك5:6}.

فإن وجدت فيك شيئا صالحا ، تيقن تماما أنه ليس منك ، بل هو من الله الكلي الصلاح ، والكامل القدوس وحده ، لأنه ليس احد صالحا الا الله وحده {مت 17:19} ان وجدت فيك شيئا صالحا فلا تنتفخ ولا تتفاخر ، ولا تحارب نفسك بالبر الذاتي ، وإنما أرجع المجد لله ، لنه هو المستحق وليس أنت ، فالله هو الذي صنع الخير ، لأنه صانع الخيرات ، بل لأنه الخير ذاته ، وهو الصلاح ذاته ، وأنت بدونه فناء لا تستطيع أن تعمل شيئا. فلا تسرق مجد الله وتنسبه لنفسك . قد تضئ كالقمر هو كوكب مظلم يستمد نوره من الشمس ، وليس فيه ضيا من ذاته ، وأن احتجبت عنه الشمس لا يظهر منه شئ لنه مظلم بطبيعته . أتر يستطيع القمر ان يتحدث عن نوره } أمام الشمس ؟. هكذا أنت أيها الحبيب امام الله.

أما أن وجدت فيك شرا فاعرف انه منك ، من الخطية الرابطة التي اشتقت إليها . وكنت تسود عليها فسادت عليك {تك4} لنه ليس شر من قبل الله . الله الذي لا ينفق الشر مع طبيعته والذي بعد ان عمل كل شئ بيديه الطاهرتين اللتين بلا عيب ولا دنس { نظر إلي كل ما عمله فاذا هو حسن جداً }.

هل عرفت ذاتك يا أخي الحبيب ؟ وهل أدركت ان أنكار الذات هو القاعدة الاساسية لعلاقتك مع الله ؟ لست أقصد أن تعتبر ذاتك شيئا تتواضع فتنكره ، لأن ذاتك لا شئ ، عدم وفناء . ولست أحب ان استعمل كلمة
{ تواضع } لأن المتواضع هوالكائن الذي يتنازل من مكانه إلي درجة أقل أرتفاعاً وأدني عليه ان يتواضع
سموا . أما إنسان حقير مثلي ومثلك ، كان ترابا وعدما ، مستحيل عليه أن يتواضع ، أذ لسيت له درجة حتي يرفضها ، أو كرامة حتي يتخلي عنها . وليس هو مرتفعاً حتي ينزل ، أو ساميا حتى يتضع . وإنما كل ما أقصده من إنكار الذات يا أخي المحبوب هو أن تعرف ذاتك ، فتدرك أنه لا قيمة لك علي الاطلاق . وإنما هو الله الذي يتحنن عليك فيهبك ان احببته ، شيئا من مجده ، الذي لا تستحقه ، لولا رحمته ولولا
تواضعه هو وتنازله.

دعنا نتدارك إذن نتأمل تلك الآية الجميلة التي تقول { اختار الله جهال العالم ليخزي الحكماء . واختار الله ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء. واختار الله أدنياء العالم والمزدرى وغير الموجود ليبطل الموجود لكي لا يفتخر كل ذي جسد امامه } {1كو1 : 27- 29 }.

فما معني هذا ؟ ألا يصلح لملكوت الله ألا الجهال والضعفاء والمحتقرون ؟! كلا فقد اختار الله قوما مثقفين من أمثلة موسى وبنتينوس وأوغسطينوس . واختار الله رجالا أقوياء مثل شمشون والقوي الأنبا موسى ، واختار رجالا محترمين مثل داود الملك والأميرين مكسيموس ودوماديوس …

فكيف التوفيق بين الأمرين ؟ 🔗

ليس المقصود إذن ان الله لا يختار الا جهال والضعفاء والمحتقرين ، بل لعل المقصود هو ا،ه – تبارك إسمه – يختار الأشخاص الذين مهما بلغوا من علم أو قوة أو كرامة ، يقفرون أمام ، كجُهَّال وضعفاء محتقرين.

فهاذ موسى الذي تهذب بكل حكمة المصريين ، لم يرسله الله عندما كان واثقا بنفسه ، ومعتمدا على قوته البشرية . ولكنه دعاه عندما وصل إلى الدرجة التي قال فيها { من أنا حتى أذهب إلى فرعون وحتى أخرج بين إسرائيل من مصر ،.. لست أنا صاحب كلام منذ أمس ولا أول من أمس ولا من حين كلمت عبدك . بل أنا ثقيل الفم واللسان }{خر3: 11، 4: 10 }.
وهذا هو بولس الذي درس الناموس وتعلم تحت قدمي غمالائيل ، لم يرسله الله الا عندما وصل إلي الحالة التي يستطيع أن يقول فيها :{ لأنه مكتوب سأبيد حكمة الحكماء وأرفض فهم الفهماء . اين الحكيم . اين الكاتب . أين مباحث هذا الدهر . ألم يجهل الله حكمة هذا العالم .. وانا كنت عندكم في ضعف وخوف ورعدة كثيرة وكلامي وكرازتي لم يكونا بلاك الحكمة الإنسانية المتنع بل ببرهان الروح والقوة}
{ 1كو1: 19 ،2، 3، 4 }.

وأرسانيوس لم يجعله الله أبا ومرشداً ، عندما كان معلما للاميرين اركاديوس وهونوريوس في قصر أبيهما
الأمبراطور ثيئودسيوس. بل عندما تنقت روحه، أصبح في إمكانه أن يقول عن نفسه :{أن أرسانيوس معلم
أولاد الملوك } الذي درس حكمة اليونان والرومان ، لا يعرف الألفا فيتا التي يعرفها هذا المصري الأمي }.

هل تظن يا أخي العابد انك ستبني ركنا في الكنيسة بعلمك وثقافتك ؟! يا لك من مسكين . الحق أقول لك ان لم تنطلق من اعتمادك على معرفتك فلن تصل غلي الله . ولن يبارك الله لك في خدمة لأنك ان نحجت فسوف ينسب الناس نجاحك إلى ما وهبه لك العالم من شهادات وإجازات علمية ، وهكذا يسلب من الله مجده ويعطي للعالم . الله – يا أخي المتعلم – قادرا في القرن العشرين أن يذهب غلي البحيرة من جديد ، ويختار صيادا جاهلا لكي يقيمه رسولا وكاروزا . فيعلم الناس خيرا منك . أن الله عندما شق البحر الأحمر لم يختر لذلك قضيبا من ذهب ، وإنما عصا بسيطة توجد ملاييبن مثيلاتها في العالم .

فحاذر أن تظن في نفسك أنك شئ ، أو أن تغتر بثقافة العالم . وحاذر – حتي في حياتك الخاصة – أن تعتمد علي معرفتك العالمية او الدينية أو قراءاتك الروحية او خبرتك القديمة . وإنما كلما ازددت علما ، وكلما تعمقت في الروح ، قف كل يوم أمام الله وأنت شاعر بجهلك وعجزك وأنت محتاج إليه ليرشدك ، كمبتدئ ، مهما كنت قديم الأيام . قف أمامه وانت شاعر بحاجتك الماسة إليه ليحميك من أضعف الشياطين ، ومن أبسط الخايا في نظرك ومن أتفه الزلات أمام عينيك .

ليكن لك هذا الشعور . لأني رايت كثيرين بعد أن قرأوا وكتبوا عن عمق الروحيات يسقطون خطايا المبتدئين .. وأقول لك هذا أيضاً خوفا من أت ثقتك بعلمك الروحي وخبرتك الروحية . تجعلك تعتمد علي ذراعك البشري ،
{ ومعلون من يتكل علي ذراع بشر }.
واعلم يا أخي الحبيب أن كل علم روحي أو عالمي لا يقودك إلي حياة الانسحاق وإلي الشعور بالجهل ، هو علم باطل وخداع للنفس ، بل هو ضربة من الشيطان يصرفك بها عن أن تسأل وتطلب وتقرع الباب .. فأشعر يا أخي بجهلك أذ يقول الكتاب : { أن كان أحد يظن أنه حكيم بينكم في هذا الدهر ، فليصر جاهلا لكي يصير حكيما }
{1كو18:3}.

وكما لأنه أمام الله يتساوي الحكيم والجاهل في انهما كليهما جاهلان وأن موت هذا كموت ذاك ، ونسمة واحدة تهب علي الأثنين كذلك أمام الله يتساوي الضعيف والقوي لنهما يليهكا ضعيفان ،أذ ليست هناك قوة لحد في حضرة الله .

هل تعتقد يا صديقي أنك قوي ؟ اذن فمن اين أتتك القوة انها ليست من ذاتك طبعاً لأنك تراب ورماد ، بل عدم وفناء . وهي ليست من كانئ آخر غير الله . لأنه – تبارك اسمه هو وحده القوي ، ومنه تستمد كل قوة

فهل قوتك أذن من الله ؟ ام كان الأمر كذلك فلماذا تغتخر ؟ ولمذا تتصلف ؟ ولمذا تستخدم قوة الله في غير ‘مال الله ؟ أذن فأن افتخر احد فليفتخر بالرب ، لأنه – تعالي في مجده – مصدر كل شئ يدعو إلي الفخار ، وان كنت أيها افنسان الضعيف بطبيعتك قويا بالله ، فقل أذن كما قال الطوباوي بولس { فبكل سرور افتخر بالحري في ضعفاتي لكي تحل علي قوة المسيح. لذلك أسر في الضعفات .. لأني حينما انا ضعيف فحينئذ أنا قوي }
{2كو9:12،10}

الشخص الذي يعتقد في نفسه أنه قوي لا يستخدمه الله . لن الله يختار ضعفاء العالم ليخزي بهم الأقوياء ، فحاذر أن تثق بقوة مزعومة لك . لأن الخطية { طرحت كثيرين جرحي ، وكل قتلاها أقوياء }. وإنما قل مع داود البار { ارحمني يا رب فإني ضعيف ، اشفني يارب فإن عظامي قد أضطربت ، ونفسي قد انزعجت جداً }. تأكد يا أخي من ضعفك ، ليس لأني قلت هذا وإنما لأنها الحقيقة الواضحة . الم تسقط اليوم وتخطئ ؟ ألم تخطئ أمس وقبلا من أمس ؟ لست قويا أذن ، بل ضعيفا ومثالا للضعف . وستظل كذلك حتى تعترف بضعفك . وتسرع وتثبت في الآب والآب فيك .

نصيحة أخري أهمس بها في أذنك : لا تجلس في خلوتك وتظن أنك أقوي من الناس ، وتستعرض المشروعات العظيمة التي يمكنك القيام بها لو أعطيت لك سلطة ، أو لو كنت في مكان الآخرين . أنك لست قويا يا أخي بهذا المقدار ، وما هذه الا أحلام اليقظة ، او لعله الغرور . أما أنت فضعيف ، وربما لو كنت في مكان أولئك الخطاة الذين تنتقدهم لاخطأت أكثر منهم ، ولأظهرت ضعفا اكثر من ضعفهم . ان كنت قد انتصرت في الماضي أو تنتصر الآن ، فسبب ذلك هو وجود الله معك ، وليس السبب أنك قوي . احتفظ إذن ببقاء الله معك عالما انه لن يرضي بالبقاء طالما أنت تعبد ذاتك بدلا منه .

واحد من أثنين يعمل في الميدان : اما الله وأما أنت .أن كنت تعتقد أن الله هو الذي يعمل ، وأنك لا شئ إلي جواره ، بل أنك متفرج تنظر إلي اعمال الله في اعجاب ، أن كنت تعتقد هذا فحسنا تفعل . أما أن كنت أنت الذي تعمل . وأن لك القوة ما يكفك لك ذلك ، فثق ان كل ما تعمله باطل هو ، وستفشل فيه.
لست أوقول هذا عن خدماتك وأعمالك الخارجية ، وإنما عن صميم حياتك الروحية أيضاً ، ان اعتقدت أنك أنت الذي تجاهد لترث الحياة الأبدية ، فسوف تفشل في جهادك . وان اعتقدت أن خطية ما لم يعد لهل سلطان عليك ، فقد تسقط فيها ولو بعد حين ، ويكون سقوطك عظيما …

ولكن الحل الصحيح هو أن تشعر بضعفك ، في أرض تنبت شوكا وحسكا ، أن تشعر بضعفك ، أمام كل تجربة وكل خطية قائلا مع المرنم : { لولا أن الرب كان معنا ليقل إسرائيل ، لولا أن الرب كان معنا حين قام الناس علينا لا بتلعونا ونحن احياء ، عند سخط غضبهم علينا }{مز123} وهكذا تصرخ إلي الله ، ثم تنظر كيف يحارب عنك وينتصر فتمجد الله وليس نفسك ، لأن النصرة كانت من عنده .

واخيراً ، أشعر أن هناك أشياء كثيرة لنتحدث عنها معا في هذا الموضوع ، فاذكرني يا أخي الحبيب في صلاتك حتي نلتقي مرة اخرى ونكمل تاملنا ، أن أحبت نعمة الرب وعشنا ..


يُمكنك قراءة كتاب إنطلاق الروح على هاتفك الأندرويد عبر تطبيق كتب البابا، نزله من هنا .


كلمتك في المرات السابقـــة
عن إنكار الذات ، وما يــزال
هناك كثير أقواله لك في هذا
الموضوع حتي نصل سويا
إلي أنطـــــلا الـــــــــــــروح

أتريد يا أخي أن تصل إلي الله ؟ أتحب أن تردد عبارة الطوباوي بولس { لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح فذاك أفضل جدا } إذن فانطلق أولا من ذاتك ، من ذاتك التي تعبدها بدلا من الله وتحاول باستمرار أن تراها ممجده معظمه أمام الآخرين.

هل يمجدك العالم يا أخي الحبيب ، وهل تقبل منه هذا التمجيد ؟ با لك من مسكين .. ألست تعلم أن المجد لله وحده ؟ لن خالق الكل ومصدر جميع الكائنات ولأنه الوحيد الواجب الوجود ، والأزلي ، والقادر علي كل شئ ، والمالي كل مكان .. ألست تعلم أذن أنك أن مجدت ذاتك ، أو مجدك الناس فإنما تسلب صفة من صفات الله . وتنسبها إلي نفسك !! أهي التجربة التي حاربت أباك آدم ، إذ لم يكتف بما وهبه الله من نعيم ، بل أراد أن يكبر حتى يصير مثل الله ؟

ومن أنت يا أخي حتى تتمجد ؟! هل للتراب مجد أو للرماد كرامة أو للعدم احترام وهيبة ؟! ثم ألست خاطئاً مثلي ، وإن كان الله قد سترك وأخفي غيوبك عن الناس – فهل للخاطئ مجد وهل للضعيف كرامة ؟ إذن لماذا تمجد نفسك ، وأنت تعرف حقيقتك بكل ما فيها من خطايا ونقائص وعيوب …

هل تفعل هذا لن الناس لم يعرفوا حقيقتك بعد ، ولم يعلموا كل شئ من ماضيك ، ولم يكتشفوا كل ضعفاتك ، ولم تظهر أمامهم أخطاؤك ؟ لماذا إذن تخدعهم وأنت تعلم ؟ بل لماذا تخدع نفسك والخداع لا يفيدك شيئاً ؟؟
ألهذا الحد تستغل ستر الله وكتمانه حالتك عن الناس .. أتوده إذن أن يعلن للآخرين افكارك وأحاسيسك ورغباتك المكبوتة … !!

ثم لماذا عن مجد زائل ، لا يصحبك بعد الموت ، ولا يقف معك في يوم الدينونة . أمام الديان العادل ، الذي لا يتأثر في حكمه عليك برأي الناس فيك ، لأن كل شئ مستور ، هو عريان قدامه ..

ألأ يزال عزيز عندك مدح الناس ؟ الست تعرف أن مديحهم زأئف : لأنه يكون أحيانا على سبيل المجاملة أو التشجيع أو التملق أو الخجل كما أنهم حتى ان صدقوا وأخلصوا فهم انما يحكمون حسب الظاهر وليس فيهم من يقرأ فكرك ، أو من يعرف نياتك ، أو يدخل إلي قلبك ليفحص ما فيه …
يا أخي الحبيب : أنني لا اشك قد أثقلت عليك بافكار مجتمعة فهل تريد أن أقص عليك قصة ، لتكن أذن قصة نبوخذ نصر {دا4: 29-33} : هل تعرف كيف نسب لنفسه مجداً زائلاً ؟ وهل تعرف كيف كانت نهايته ؟ إذن ليته يكون درساً لك …

أترك تضايقت ؟ سامح ضعفي ، واسلوبي الخشن في التعبير . ولكن أهي عادتك باستمرار أن تتضايق من شخص يكلمك بصراحة ؟ لا يتملقك ، ولا يستعمل معك الفاظ التفخيم التي يستعملها الناس .. لماذا ؟ الأولي بك يأخي العزيز ا، تحب هذا الأسلوب ، لأنه يوقفك أمام حقيقتك ، وما أشد احتياجك غلي الوقت أمام هذه الحقيقة ، حتي تعرف نفسك ، تلك المعرفة اللازمة لخلاصك .
ولكن دعنا نناقش الأمر معا . لماذا تريد أن تظهر عظيما أمام الآخرين ؟ أهو مركب النقص ؟ هل تشعر في ذاتك أنك في درجة صغيرة . وتريد أن تعوض ذلك بأن تكتسب مدح الناس بحرارة عن نفسك حتي لا تظهر أمامهم معيبا ، وأن وقفوا منك محايدين لا مدح ولا مهاجمة ، لم يعجبك هذا أيضاً وأخذت تتسول مدحهم بأن تحدثهم عن فضائلك حتي يعجبوا بك فيمدحونك ..

أهذه هي الحقيقة ؟ أن كانت كذلك ، فلنحاول مناقشتها معاً :
حسن يا أخي أن تشعر بأنك ناقص وخاطئ وضعيف وأقل من الناس جميعاً ، ولكن علاج هذا النقص لا يأتي باضافة نقص جديد إليه عن طريق محبة مدح الناس، وإنما يأتني بتكميل الذات وإصلاح أمرها.

لماذا يهمك رأي الناس فيك ومدحهم اياك ؟ ألعلك ستدخل ملكوت الله ان رشحك الناس لهذا ؟! إذن فأعلم أن كثيراً جداً من الذين يمدحهم الناس سيلقون في البحيرة المتقدة بالنار والكبريت ..
{ وويل لكن أن قال فيكم الناس حسنا }{لو26:6}.

مدح الناس ياصديقي وقتي وزائل . وهو لا يثبتون علي حال . للذين هتفوا للسيد المسيح كملك . صرخوا ايضاً قائلين {أصلبه أصلبه } ومدح الناس ايضاً زائف لأنهم لا يعرفون الحقيقة تماما .

إليك سؤال يهمني أن تجيب عليه أجابة صريحة :
ماذا يكون شعورك عندما يمدحك الناس وأنت تعرف عن خفاياك ما يخجل ؟
هل تنسي أثناء مدحهم تلك الخطايا التي لو عرفوها عنك لطردوك خارج المجمع أم أنت تتنساها ؟
ام تعتبرها مكدرات لا يجب أن تظهر أثناء نشوتك بمديح الاخرين ؟ إذن فأنت يهمك فقط خارج الكأس ، يهمك أن تكون كاقبور المبيضة من الخارج ومن الداخل نتنة ؟!
إذن فإنت تهمك الحياة الأرضية فقط ولا تأبه للحياة الآتية . صارح نفسك يا اخي المحبوب بحيقية مشاعرك ، واعترف بهذا بينك وبين نفسك اولا ، ثم اسكب هذه الذات أمام أب اعترافك ، أسكبها في بكاء وأنين وألم مر .

وإليك ما يجب أن تشعر به عندما يمدحك الناس :

  1. اشعر أولاً أنك ربما تكون مرائيا ، تظهر للناس غير ما تبطن . قل لفسك في صراحة { أنني شخص خاطئ دنس ، وعندما أجلس إلي أب أعترافي أكاد أذوب خجلا وعندما أحاسب نفسي علي خطاياي تنسحق ندما وشعورا بالخسة والحقارة ، وتصغر ذلتي أمام عيني ، وعندما أقف للصلاة أشعر انني غير مستحق أن ارفع نظري إلي فوق .. فلماذا إذن يمدحني الناس . ألعلني مرائي ؟ ألعلني ذو وجهين ؟: أظهر أمام الناس بشخصية ، وحقيقتي شخصية أخري ؟ هل أنا ممثل ؟ ربما أكون …

  2. أشعر أن مدح الناس ربما يجعلك تستوفي أجرك علي الأرض فلا تنال أجراً في السماء ، وهكذا يصيع أكليلك بثمن بخس . أن مدحك الناس فخير لك لأن تحزن . أحزن علي أكليلك الذي يوشك أن يضيع . وهذا الحزن المقدس يصفي نفسك ويجعل روحك تنطلق بالأكثر .

  3. عند مدح الناس لك أشعر أنك ربما تكون مختلسا : قد سلبت مجد الله ونسبته إلي نفسك . لقد قال السيد المسيح : { لكي يروا أعمالكم الحسنة ، فيمجدوا أباكم الذي في السموات {مت 16:5}. فإن كان المجد قد رجع إليك أنت بدلا من الآب ، فربما يكون هذا اختلاسا وأنت لا تدري ، أو وأنت تدري . عندما تصلي وتقول : { لأن المجد لها فتنافس الله في قوته.{ليس لنا يارب ليس لنا ، ولكن لاسمك القدوس أعط مجداً }{مز1:115}.

  4. عندما يمدحك الناس أنكر ذاتك ، ووجه انظارهم إلي الله ، في غير رياء وفي غير تظاهر بالتواضع ، أذكر لهم لهم انك خاطئ . وضعيف وأن الله هو الذي فعل الأمر الذي يستحق المديح.
    وكما توجه هذا الكلام إلي الآخرين ، توجه به ايضاً إلي نفسك وأقتنع به حتي لا تعود فتنتفخ.

  5. إذا وجدت البعض قد بدأ قصة أو حديثا أو خبراً سينتهي بمدحك ، حاول أن تغير مجرى الحديث أو علي الأقل ٌتسر بالمد وانسبه إلى الله عن اقتناع.

  6. عندما يمدحك الناس تذكر هاتين الايتين الجميلتين { مجداً من الناس لست أقبل }{يو41:5}.{مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك ..}{يو5:17}. احفظ هاتين ورددهما كثيراً في فكرك.

  7. عندما يمدحك الناس تذكر خطاياك ، واترك ضميرك يؤنبك حتي يكون هناك توازن بين داخلك ، وبين مدح الناس من الخارج.

وأخيراً ، أن كان هذا هو المطلوب منك عندما يسعي إليك مدح الناس فبديهي جداً أنك لا تسعى بنفسك إلى طلب هذا المديح أو أستجدائه مما سنرجح إليه في المقال القادم أن شاء الرب وعشنا.


يُمكنك قراءة كتاب إنطلاق الروح على هاتفك الأندرويد عبر تطبيق كتب البابا، نزله من هنا .


ان لم تنطلق من ذاتــــــك يـــــــا أخـي
الــحبيب من ذاتك هذه التي تعبــــــــدها
مــن دون الله ، والتي تكبرها وتفخمها
امام الناس ، فلن تصل أبدأ إلـــي سمـو
إنطلاق الروح .

لعلك تحب أحيانا أن يمدحك الناس ، ولقد تفاهمنا في مقال سابق عما يحسن بك فعله عندما يمدحك الآخرون . أما في جلستنا الهادئة هذه ، فأود أن اسالك سؤالا ؟
وا هو شعورك وتصرفك عندما يسئ إليك الغير أو يظن بك الظنون ؟
رمبا تفكر في ذاتك أهنت ، وربما تفكر في كرامتك وهيبتك والاحترام الواجب لك : فتضغب وتثور ، وتثار لذاتك ، وتدافع عن نفسك . لست انكر عليك هذا ، فأنا أنسان في الجسد مثلك جربت هذه المشاعر جميعا ، أو جربت بهذه المشاعر جميعاً ولكن دعنا نناقش الأمر معا.

ماذا يفيدك الغضب ؟ أنه يعكر دمك . ويتلف اعصابك وأخطر من ذلك كله أن الغضب يفقدك سلام القلب وراحته . ألم تسمع معلمنا يعقوب الرسول يقول : { أن غضب الإنسان لا يصنع بر الله }{يو20:1}. وغضبك من أجل ذاتك هو لا شك غضب أنسان كالذي يقصده معلمنا يعقوب . تقول أن هذا الغضب ينفس عنك ، ويفرج عن الثورة المكبوتة في داخلك . ولكن لماذا تختزن في داخلك ثورة مكبوتة تحتاج إلي تنفيس ؟ السبب في ذلك واضح طبعاً ، هو أنك تفكر كثيرا في ذاتك ! انطلق يا أخي الحبيب من هذه الذات وأنت تستريح.

ان أهنت فلا تفكر في ذاتك انك أهنت . وانما في ذلك الذي أهانك ، أنه اخوك . وانت كشخص روحي ممتلئ بالمحبة ، عليك أن تفكر في هذا الأخ الذي أخطا : ماذا تفعل لأجله . أنك لا تريد طبعاً أن تنحدر نفسه الغالية إلي الجحيم ، ولا تريد ان تقف اهانته لك في طريق خلصه . لذلك فأنت تطلب إلي الله ألا يقيم له هذه الخطية ولا يعاقبه عليها ، ثم أنت ايضاً تصلي من اجله ان يخلصه الله من الخطية ذاتها فلا يعود إلي اقترافها معك أو مع غيرك.

وعندما تفكر في أخيك هذا الذي أهانك ، قد تفكر في السبب الذي جعله يفعل ذلك . ربما يكون مريضا اعصابه متلفة ، او متعبا عقله مجهد ، أو قواه منهكة ، أو مرهقا بمشاكل اجتماعية أو دراسية ، أو مالية .. فأنت تفكر فيما يمكن أن تفعله لأجله ، وهكذا قد تخطر ببالك رحله أو نزهة لطيفة تدبرها له ، أو قد تساهم بجهد في التخفيف أو الترفيه غنه . وأن لم تستطيع شيئاً من هذا كله فعلي الأقل ترثي له ، وتطلب له من الله معونة خاصة.

ان الناس يا اخي الحبيب لم يخلقوا أشرارا ، لأن الله بعدما خلق الإنسان { نظر إلي كل ما فعله فاذا هو حسن جداً } وأماالشر فإنه يأتي إلي الناس من الخارج دخيلاً عليهم ..

وهذا الشخص الذي أهانك ، ربما تكون لاهانته لك اسباب أخري . وربما يكون قد اساء فهمك . ومثل ذلك تفاهم معه وأقنعه في وداعة ومحبة . ولكن هناك نوعاً من الناس يهين الآخرين حبا في أهانتهم مستغا\لاً تسامحهم ليتخذهم مجالا للفكاهة والتندر . مثل هذا الصنف أما أن تبتعد عنه ، وأما أن تكلمه بلهجة حاسمة

وحازمة مؤدبة مظهراً له خطاً ، ومانعا اياه من تكراره . ولتفعل هذا ليس علي سبيل الثأر للنفس ، أو الاختفاظ بكرامة ذاتية ، وإنما حبا في ذلك المخطئ حتي لا تترك له فرضة أخري للخطأ ، ومجالا يسقط فيه ويهلك بذلك نفسه ..

وشتات بين توبيخك لخاطئ بغرض انتقامي ، توبيخا يجعله يثور عليك ويحتك بل ، وبين تانيب المحبة الحازم الهادئ الذي يشعر فيه الشخص ان مؤنبه يحبه ..

هذا كله عن موقفك من جهة الشخص الذي تشعر أنه اهانك ، ولكن اسمح لي أن أدخل قليلا إلي أعماق نفسك لاناقش شعورك الباطن بينك وبين نفسك .

  1. لماذا تحسب الكلام الذي يقوله غيرك أنه أهانة ، أو انه شتيمة ؟ لماذا لا تكون تلك التي تحسبها أهانه هي كلمة صريحة لازمة لاصلاح نفسك ؟ وان كنمت قد تضايقت منها فذلك لانك تحب المديح ، وتريد ان يقول فيك جميع الناس . افرح يا أخي بانتقاد الناس وتأنيبهم ، فان ذلك صالح لك وينقيك ويفيدك في حياتك الأخري. اذا انتقدك شخص فأولى بك أن تشكره فربما يكون قد أرسل هذا افنسان ليرشدك ويظهر لك أخطائك حتى تتركه .

  2. ربما تكون تلك الإهانات تأديباً لك من الله علي خطايا أخري اقترنتها في ماض قريب أو ماضي بعيد . وعندما سمع داؤد النبي اهانة كهذا قال في انسحاق : { الله قال لهذا الإنسان اشتم داود }{2صم10:16}. عندما يهينك غيرك يا أخي الحبيب تذكر خطاياك الماضية ، واعرف انك لست بالشخص الخالص النقاوة الذي يسمو عن التوبيخ ..

  3. في بعض الأحيان يكون الله قد عمل عملا ناجحا عن طريقك ، فاتخذت أنت هذا النجاح سلاجا تنتفخ به ، وتحارب نفسك بالبر الذاتي ، وخشى الله عليك من السقوط عن طريق الكبرياء فسمح ان تهان ، حتي يوجد توازنا بين مشاعرك ، ويخخفف شيئاً من كبرياء . كثيرون من الذين يهانون متكبرون ، أما الودعاء فيرفعهم الله من المزبلة ليجلسهم مع رؤساء شعبه {مز112}.

  4. بما تكون أعثرت غيرك بتصرفك وأنت لا تدري، وكان هذا هو سبب إهانتك. لذلك يحسن أن تدرس وجهة نظر من ا÷انك، لعله علي حق.

  5. قد تكون هذه الإهانة درسا لك في المحبة والاحتمال . قال لي احد الآباء الروحيين عن راهب اعتزل ولم يختلط بالأخوة في المجمع { إن فترة الوجود في المجمع لازمة للراهب . لأنه أن لم يستطع أن يحتمل مشاكسات الاخوة في المجمع ، فكيف يستطيع أن يحتمل محاربات الشياطين في الوحدة كما قال مار اسحق !!

  6. ماذا يضيرك عندما يحكم عليك إنسان حكما ظالما . أو عندما يظن فيك أنك مخطئ ؟ العل هذا يعوقك عن ملكوت الله ، أم أن الله سيعتمد أحكام الناس ؟

  7. أم أنك تحب المديح والتطويب من بشر هم تراب مثلك ؟ سيدك يا صديقى { ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح { اش7:53}. { وأحصى مع أثمة } أما هو فقبل هذا الصليب ..

  8. أخيراً يا أخي الحبيب ، إذا أهنت فتضايقت ، وكبرت عليك الإهانة على الرغم من أنك خاطئ مثلي، فتذكر كيف أننا نهين الله فيصبر علينا ويحبنا ويقبلنا إليه ! ما أعظم الهنا الحنون ليس له شبيه بين الآلهة .


يُمكنك قراءة كتاب إنطلاق الروح على هاتفك الأندرويد عبر تطبيق كتب البابا، نزله من هنا .


ان كنت ما تزال تهتم بفكرة الناس
عنك ، وتتخذ كافة السب ليحسن
رأيهم فيك فمن الصعب أن تصل إلي
سمو إنطلق الروح

في بعض الأخيان لا يمحدك الناس ،أو يكون مديحهم لك أقل من مديحهم لغيرك . فبدلا من أن تسر وتبتهج ،
لأن شيطان المجد الباطل نائم عنك ولو إلي حين ، اراك تسعي إلي أتعاب نفسك فتجلس إلي الناس تتسول مديحهم بطريقة لا تتفق مع كرامتك كإبن لله ، وهكذا تحدثم عن نفسك ..

فهل تسمح لي يا أخي الحبيب أن أناقش معك الأمر بنفس ما اعتدناه قبلا من صراحة :

  1. لماذا تحدث الغير عن نفسك ؟ أتريدهم أن يعجبوا بك ؟ إليك إذن هذا السؤال الصريح :

هل أنت في أعماق ذاتك معجب بنفسك ؟ لا شك أنك في حقيقتك متضايق من نقائص كثيرة محيطة بك، لماذا تريد إذن أن يمجدوا شخصية انت نفسك غير مقتنع بتمجيدها ؟

  1. لو أعتمدنا فرضا مبدأ الحديث عن النفس ، فهل أنت تعطي صورة صادقة حقيقية عن نفسك ؟ أم أنت تذكر للناس النواحي البيضاء فقط ، وتترك النقط البشعة الحقيرة التي تنفرهم منك ؟ ألا تعرف يا صديقي ان أنصاف الحقائق ليست كلها حقائق ؟ ألست تري أن إذن ان في حديثك عن نفسك شيئاً من الخداع والكذب وتقديم وجه واحد من صورة لها عيوبها – تلك العيوب التي تعرفها أنت جيداً والتي يعرفها معك ابوك الروحي ؟

  2. أنك تعرف بلا شك ان حديثك عن { فضائل } يضيع عليك أجرك . ولست أشك أنك قرأت العظة علي الجبل وسمعت فيها { لا تعرف شمالك ما تفعله يمينك }{فأبوك الذي يري في الخفاء هو يجازيك علانية } أنني مشفق عليك يا أخي الحبيب ، تجاهد طويلا في سبيل فضيلة معينة ، وفي لحطة طيش من لحظات البر الذاتي اللعين ، يأتي الشيطان ويسلب كل جهادك منك ، فاذا تعبك كله قد ضاع باطلاً.

كلما أراك تتحدث عن نفسك ، يخيل إلي أنك شخص زرعت زرعا ، فلما أنماه الله وأتي ثمرة ، بدلا من ان تحصده وتفرح به أشغلت فيه النار ، أو تركت الشيطان يحصده نيابة عنك ! يا صديقي العزيز ، كلما احسست رغبة في التحدث عن نفسك ، دع ذلك القول الإلهي يرون في أذنيك { الحق أقول لكم أنهم قد أستوفوا أجرهم }{ مت2:6}.

  1. هناك ضرر آخر من حديثك عن نفسك ربما توضحه لك الحادثة الآتية : كنت أحدي المناسبات أتكلم في حماسة وأعجاب عن شخص مبارك احبه وأقدره { فقاطعني أحد أساتذتي الروحيين قائلا : ر أرجوك ، لا تكمل هذا الكلام . أنك بهذا الحديث تجمع الشياطين حوله لتحابه . أتركه يعمل في هدوء . أنه ما يزال مبتدئا وفي حاجة إلي صلوات كثيرة }. فسكت وقد شعرت فعلا أنني أخطأت في حق هذا الإنسان . الشياطين لا تطيق أن تسمع عن أعمال طيبة لإنسان. أن اتخذك الله وسيلة لعمل مجيد، فلتكن ذلك سرا بينك وبين الله

لا تتحدث عن هذا العمل لئلا تتعرض لحسد الشياطين وقتالهم . ولا يضيع أجرك فحسب ، وأنما قد تتعرض لحرب قاسية لا تعرف نتائجها.

  1. أرايت إذن بعضا من الضرر الذي يحيق بمن يتحدث عن نفسه ؟ أتستطيع أن تدلني – في مقابل ذلك – عن فائدة واحدة تجنبها من مديح لذاتك ؟ لست أقصد تلك النزوة الحسية الخاطئة التي يشعر بها كل من يلمح نظرات الأعجاب موجهة إليه. فهذه في حد ذاتها خطيئة تحتاج إلى علاج !!

هناك فائدة حقيقية أعرضها عليك : أن ألح عليك الحديث عن نفسك الحاحا لم تستطع له مقاومة ، فحدث الناس عن ضعفك وعجزك ، حدثهم عن نفسك الساقطة التي لولا معونة الله لأشبهت أهل سدوم ، واطلب إليهم بإلحاح أن يصلوا من أجلك حتى يفقدك الله برحمته.

  1. كلمة صريحة أخري . ترددت طويلا قبل أن أهمس بها في أذنك ، وهي أنه حتي الناس انفسهم
    يشمئزون أحيانا ممن يتحدث كثيراً عن نفسه . أنهم يسمونه أحيانا { المنتفخ } أو { المغرور }. وهذا لا يكسب مثل هذا المادح لذاته سماءاً ولا أرضاً.

  2. اخيراً فإن تلك الأعمال التي تحاربك بالبر الذاتي ليست كلها من صنعك : هناك الظروف المحيطة ، والدور الذي قام به الآخرون ، والامكانيات الت منحت لك من فوق . إنها تكون مبالغة بلا شك ان تنسب كل هذا على نفسك فقط ناسيا عمل الله فيك.

أتراني ضايقتك بصراحتي يا اخي الحبيب ؟ سامح ضعفي مصلياً من أجلي.


يُمكنك قراءة كتاب إنطلاق الروح على هاتفك الأندرويد عبر تطبيق كتب البابا، نزله من هنا .


ومرة أخري يا أخي الحبيب أريد
أن أحدثك عن ذاتك ، ذاتـك التي
تحبها وتثق بها اكثـــــر مـن الله
أحيانا . أن لم تنكر هــــذه الذات
فهيهات ان تتمتع بجمال إنطلاق
الروح.

ان كانت المحبة هي الوصية الأولي في المسيحية ، فان إنكار الذات هو الطريق الأول إلي المحبة .
أنك لا تستطيع مطلقاً أن تحب الله والناس ، طالما أنت تهتم بذاتك ولذاتك . لذلك عليك أن تنطلق اولا من هذه الذات ، فقد قال السيد له المج : من اراد أن يتبعي فلينكر ذاته ويحمل صليبه ويتبعني { م38:8}.
وهكذا جعل إنكار الذات اول كل شئ.

ليكن هدفك إذن يا أخي الحبيب هو أخفاء ذاتك في الله بحيث لا يكون لك وجود مستقبل عنه ، لتقل كمل قال معلمنا بولس الرسول : { لكي أحيا لا أنا بل المسيح يحيا في }{غل20:2}.

أن اردت أن يكون لك مجد ، فلا يكن مجدك من الله وعند الله كرر هذه الآية دائما : ر مجدني أنت أيها الآب عن ذاتك } {يو5:17}. لا تبحث عن مجدك في العالميات { فالعالم يبيد وشهوته معه } أما أنت فأبن الله ، وأما أنت { فهيكل الله وروح الله حال فيك }، لست من دم ولا مشيئة جسد ولا مشيئة رجل بل من الله ولدت ، وروحك نفخة من الله ، نسمة من فيه .. وأنت في كل قداس تتناول جسد الله ودمه ، والله يريدك أن تتحد به ، تثبت فيه ، فلماذا إذن هذا المجد العظيم كله ، وتبحث عن مجدك في التراب ؟

لماذا يهمك راي الناس فيك ، فتسر بمديحهم . وتدافع عن نفسك أن هاجموك ، وتتسول رضاهم بحديثك عن نفسك ؟ أما زلت يا أخي تحب التربا ومجد التراب ؟ أما زالت نفسك تمثالا تقدم له الذبائح والقرابين – أنكر ذاتك ، وركز محبتك كلها في الله وحده . قل كما قال يوحنا المعمدان { ينبغي أن ذاك يزيد وأني أنا أنقص ، {يو30:3}. اتتهامس في تذمر وتقول {لا أريد أن أنقص }. أعلم إذن أنك سوف لا تنقص الا الشوائب التي تعكر نقاوة عنصرك ، سوف لا تنقص ألا المجد العالمي ، ذلك التراب الذي علق بك ، والذي ينبغي أن تنقضه لترجع نظيفاً كما خلقك الله وكما يريدك دائما أن تكون .

هذا من وجهة علاقتك بالناس ، ولكني أريد أن أخاطبك أيضاً من جهة نظرتك إلي نفسك وموقفك أمام الله . ان اردت لروحك ان تنطلق فقف امام الله كجاهل لا تعرف شيئاً . لست اقصد أن تدعي الجهل أو تتظاهر به ، فالله لا ينخدع ولا يحب المدعين ، إنما اعتقد يقينا – في نصريف كل أمر – ان ذاتك ينبغي ان تختفي ليظهر المسيح ، ليس امام الناس فحسب ، وإنما أمام نفسك أيضاً . قل له يارب أني احكم حسب الظاهر ، وقل له ياربي أني ضعيف لا استطيع مقاومة الشياطين ، قل له ايضاً أنم النتائج في يده وأطلب منه أن يتدخل فيرشدك ، أو يسكن فيك ويعمل بك . وعندما يأتي الناس ليمدحوك علي فعلك ، لا تفتخر ولا تتظاهر بالتواضع ، إنما أتخذها فرصة أن تجلس معهم وترنم ذلك المزمور الخالد { لولا أن الرب كان معنا ، فليقل إسرائيل لولا أن الرب كان معنا ، حين قام الناس علينا ، لابتلعونا ونحن أحياء .. إذن لغرقنا في الماء وجازت نفوسنا السيل }{مز123}.

وعندما تعرض لك خطية ، لا تثق بقوة روحك ، ولا بماضيك في الإنتصار { فقد طحت كثيرين جرحي وكل قتلاها أقوياء }{أم26:7}. إنما اعتقد أن النصرة من عند الله ، وإن تخلي عنك في أبسط الخطايا فسوف تسبه أهل سدوم . أنما رتل ذلك المزمور الجميل .{وأنت عرفت سبيلي . في الطريق التي أسلك اخفوا لي . نظرت إلي اليمين وأبصرت وليس من يعرفني . ضاع المهرب مني وليس من يسأل عن نفسي . فصرخت إليك يارب وقلت أنت هو ملجأي ورجائي في أرض الأحياء .. نجني من مضطهدي لأنهم قد اعتزوا أكثر مني }{مز141}.

يا اخي الحبيب . أنك لست شيئاً ، فاعترف بهذا أمام الله وأمام نفسك ،؟ وكلما فكرت أنك تستطيع عمل شئ ، ارجع إلي ذاتك مرة أخري ، وقل : من انا يارب حتي أقف امام فرعون وأخرج بين إسرائيل من مصر !{خر11:3}فإن أقنعك الله بإنه سيكون لك فما ، وأنه ستيكلم علي لسانك ، وأنك سوف لا تكون الا أداة ، حينئذ استمر في حياتك . ان سرت في وداي ظل الموت فسوف لا تخاف شرا ، وان قام عليك جيش ففي ذلك ستكون مطمئنا. حينئذ اذكرني أنا التراب النجس ، لكي نتقابل معا . هناك …


يُمكنك قراءة كتاب إنطلاق الروح على هاتفك الأندرويد عبر تطبيق كتب البابا، نزله من هنا .


هل تعرف من اي شئ يجب أن تهرب ؟
أهرب من الأغراض ، من الآمال ، من
الرغبات اهرب من كل أولئك ، أن كنت
تود حقا أن تصل إلي إنطلاق الــروح .

اسمح لي يا أخي الحبيب ان أدخل قليلاً إلي قلبك ، وأتحدث إليك في صراحة . أن لك آمالا عرضة تشغلك كثيراً ، وتحتل جانبا من قلبك بل هي تحتل خيالك أيضاًُ فتجلس في وحدتك وتحلم بها احلام اليقظة ، تأوي إلي فراشك فتري هذه الآمال في نومك . لك اهداف أنت أدري الناس بها ، ولست مستطيعاً أن تنكرها . أنك تود أن تكون شيئاً هاما ، تود أن تعرفك الناس ، ويبجلوك . لك آمال في الشهرة والصيت ، ولك آمال في السيطرة والنفوذ ، ولك رغبات في المال ، وفي المركز الاجتماعي ، وفي العلم ، وفي الألقاب ، وفي المستقبل ، وفي المظاهر والسمعة . ولك رغبات في المسكن والمأكل والملبس . ولذات الجسد المنوعة . انك لا تعيش في العالم بل العالم هو الذي يعيش فيك ، ويستولي علي قلبك وفكرك وخيالك ومشيئتك أيضاً . أما روحك التي تعيش حبيسة في هذا كله فأنها تود الإنطلاق من رغبات جسدك ، الجسد الذي { يشتهي ضد الروح }.

انك يا ايخ الحبيب تشقي بهذه الآمال والأغراض ، فهي لا تتحقق جميعها ، ولذلك فأنت غير رأض . انك تشتاض وتشقي في اشتاقك ولذلك فأنت تعد العدة ، وتلتمس الوسائل : تفكر ، وتقابل وتكتب ، وتسير وتذهب ، وتسعي وتتعب في سعيك ثم انت تجلس وتنتظر ، وقد يضيق صدرك ، وتمل الصبر والترجي ، ويدركك اليأس أو القلق أو خوف الفشل ، فتشفي بانتظارك . وقد ينتهي السعي والتعب إلي لا شئ وتحرم من رغبتك التي تودها فتشفي بالحرمان . وأخطر من هذا كله ، فإن آمالك واغراضك قد تجنح بك عن طريق الصواب فتتعلم بسببها الخداع ، او اللف والدوران ، أو التزلف والتملق ، أو الكذب ، أو ما هو أبشع من هذا .. كما قال أحد الحكماء { لابد أن تنحدر المرء يوماً للنفاق ، أن كان في نفسه شئ يود أن يخفيه } ..

أنك متعب ، وأنا أعرف هذا وأشفق عليك في تعبك . فالي متي تعيش في جحيم الآمال ! والعجيب في رغباتك الترابية هذه أنها تشقيك ايضاً حتي اذا تحققت . فرغبتك عندما تتحقق تتلذذ بها وتقودك اللذة إلى طلب المزيد . وهكذا كما قال السيد المسيح : { من يشرب من ذهذا الماء يعطش ْ}يو13:4}. وعندما يعطش سيسعي إلي الماء مرة أخري ليشرب ، وكلما يشرب يزداد عطشاً ، وكلما يزداد عطشاً ، يزداد أشتياقاً إلى هذا الماء.

لذلك يا أخي الحبيب أود أن أناقش معك الأمر في هدوء لمذا تتمسك برغبات معينة في العالم ، والعالم يبيد وشهوته معه . أنك غريب مثلي علي الرض ، وستأني ساعة تترك فيها هذا العالم وتترك فيه كل ما أخذته منه . عريانا خرجت من بطن أمي وعريانا تعود إلي هناك . ستترك رغماً عنك كل ما في العالم من عظمة ومال وشهوة وتتوسد حفرة كأحقر الناس ، ومهما بلغت في العالم من سطوة أو متعة أو شهرة ، فإن هذا سوف لا ينمع جسدك الفاني من التعفن ، سوف لا يمنع الدور من ان يرعي في جثتك حتي يأتي عليها . وستقف بعد هذا كله أمام الله مجرداً من مظاهر العالم المنوعة ، لم تأخذ من الدنيا غير أعمالك ،

خيرا كانت أم شراً . فحرام عليك يا أخي الحبيب أن تركز أغراضك وآمالك في هذه الأرض ، الأرضالتي تنبت لك شوكاً وحسكا ، والأرض الت يقبلت دماء هابيل البار ، والأرض التي يحفرون فيها أباراً مشققة لا تضبط ما . {أر13:2}.

ان الآباء القديسين الذين عاشوا قبلنا علي الأرض . ولم تكن الأرض مستحقة أن يدوسوها بأقدامهم ، هؤلاء جميعاً لم يصلواإلي ما وصلوا إليه من قداسة . الا بعد أن فرغوا قلوبهم من حب العالم والأشياء التي في العالم ، فلم تعد لهم علي الأرض رغبة أو شهوة ، ولم يحتفظوا فيها بقنية أو ملك . لم يتمسكوا بشئ في العالم لذلك سهل عليهم أن يتركوه ، بل أشتاقوا إلي ذلك اشتياقاً .

أما أنت ياأخي الحبيب فلك رغبات أرضية ،{وحيثما يكون كنزك يكون قلبك ايضاً } . لذلك تعلق قلبك بالتراب ومجد التراب ، فقلت قيمة الروحيات في نظرك . أنها التجربة التي حاول بها الشيطان إغراء رب المجد { أخذه إلي جبل عال جداً وأراه جميع ممالك لعالم ومجدها وقال له أعطيك هذه جميعها ان خررت وسجدت لي }. وأن ملكت هذه جميعها ماذا تستفيد أن خسرت روحك ، روحك الحبيسة في قفص مذهب من الرغبات ، وتود أن تنطلق .


يُمكنك قراءة كتاب إنطلاق الروح على هاتفك الأندرويد عبر تطبيق كتب البابا، نزله من هنا .


أنك تؤمن بحواسك الخمس إيمانا شديداً
ولا تصدق روحك أن تعارضت مع هــذه
الحواس فمتي تنجو من سلطان حواسك
وتــــــــــدرك إنطــــــــلاق الــــــــــروح .

أنك تصدق الشئ الذي تراه بعينيك . او تسمعه بأذنيك ، أو تلسمه بيديك .. أما غير هذا فقد يعتريك فيه الشك فلماذا !! السبب بسيط ، وهو أنك ما تزال عائشا بالجسد ، تؤمن بالجسد وحواسه.

أنك تنظر هنا وهناك ، فتري أنه ليس من أحد ، ليس من مشاهد ولا من رقيب . فترتكب الخطأ الذي تتحاشى ارتكابه أمام الناظرين ، فهل تصدق حقاً أنه لم يرك أحد ؟! لقد لقد كان هناك عينان تنظران إليك في اشفاق .وفي تأنيب .. ولكنك الله يراقبك وأنت لا تراه ولو كنت تعيش بالروح منطلقاً من هذه الحواس القاصرة لا تستطيع أن تقول ما قاله ايليا : { حي هو رب الجنود الذي أنا واقف أمامه }{1مل15:18}.

تحيط بل المخاطر فتلتفت عن يمين وعن يسار . وإذ تري نفسك وحيداً تخاف وترتعب . أن الله واقف عن يمينم لكي لا تتزعزع ، ولكنك لا تراه . عيناك قاصرتان لا تبصران كل شئ . أنها عينان ماديتان لا تدركان الروحيات . ليتك يا أخي الحبيب تطلق روحك من سلطان هذه الحاسة الجسدية ، روحك التي تفحص كل شئ حتي أعماق الله { 1كو10:2}.، ليت روحك تنطلق لتري الله عن يمينك وتهمس في أذنه فرحا {أن سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شراً لأنك أنت معي }{مز23}. كان جيحزي المسكين خائفاً جداً وهو يري بعينيه الأعداء يقتربون وليس من منقذ . أما اليشع العائش بالروح فكان مطمئنا. كان يري بالروح ما لا تراه العين ، ويسمع ما لا تسمعه الأذن . وإذ أشفق على الغلام طلب من الله أن يفتح عينيه ليرى … ونظر جيحزي فإذا الجبل زاخر بجنود الله ومركباته فاطمأن {2مل17:6}.

لا تعتمد علي حواسك فهي ضعيفة لا تدرك ما تدركه الروح . كانت أرملة صرفة صيدا إلي الكوار فتري فيه حفنة واحدة من الدقيق . إلي الكوز فتري فيه قليلاً من الزيت ، وترى أن هذا الدقيق وهذا الزيت لا يكفيان الا لصنع كعكة واحدة تأكلها مع أبنها ثم يموتان من الجوع . أما ايليا ، رجل الله . فكان يري بالروح غير ما تراه العيون الجسدية : كان يري كوز الزيت لا ينقص مهما أخذت منه الأرملة وكذلك كوار الدقيق … وقد كان . {1مل14:17}.

كان أليشع واقفا علي شاطئ الأردن . عينه الجسدية تري الأردن نهرا ، وتري السير فيه يؤدي حتما غلي الغرق . أما روح اليشع فكانت منطلقة من هذه العين القاصرة . كان نهر الأردن والشاطئ بالنسبة غليها سواء . كلاهما أرض صالحة للسير أخذ أليشع رداء ايليا الذي سقط عنه عندما استقل المركبة النارية وضرب الماء بهذا الرداء فانفلق الماء وعبر اليشع {2مل14:2}. أن العين العادية تري ثوب ايليا ثوبا ، أما أليشع فكان يراه بالروح قوي عجيبة يستخدمها الله .. ولم يكن في نظرة ثوبا كباقي الثياب . ان عينك قاصرة يا صديقي حتي في الماديات . هناك أجسام لا تراها ، ومع ذلك فهي موجودة تتحدي بصرك الضعيف ، وربما تستطيع أن تري هذه الأجسام الصغيرة باستعمال المجهر.

فإذا لم يكن هناك مجهر ، ولم تر عينك المجردة تلك الأشياء الدقيقة ، اتستطيع أن تنكر وجودها لأنك لا تراها ! فأن كان هذا في الماديات . فماذا تقول عن الروحانيات.

في الأمور الروحية اترك فرصة للروح لكي تقودك ، ولا ترغمها علي الخضوع للجسد ، أتركها علي سيجتها تنطلق وتسبح في عالم الإلهيات " وطوبي لمن آمن دون أن يري " {يو29:20).

لابد أنك سمعت عن الرؤي يا أخي الحبيب ، حينما تسبح الروح في عالم الملائكة والقديسين وتري ما لا يراه الجسدانيون ، هنا تري الروح منطلقة من سلطان الجسد ، تستخدم أعضاءه في أغراضها الروحية ، فتخضع الحواس للروح ، وليس الروح للحواس.

قال لي شخص انهخ سمع بظهور ما رجرجس في أحد الكنائس فرفض أن يصدق ، وذهب بنفسه إلى هناك ليتأكد بعينيه من فساد تلك { الخرافات } وفعلا ذهب ولم ير شيئاً.

لست أريد أن أعلق على هذه القصة بشئ، ولكني أعرض راياً وهو أن هذا الشخص وأمثاله قد لا يرون الرئي لضعف إيمانهم بها، لأنهم يريدون إخضاع الروحيات لحواس الجسد، بينما يكشف الله للبسطاء عن أسرار ملكوته.


يُمكنك قراءة كتاب إنطلاق الروح على هاتفك الأندرويد عبر تطبيق كتب البابا، نزله من هنا .


هذا هو أول شئ يجب أن يقوله
الإنسان الذي يحب أن يصـــــل
إلي إنطــــــــــــــــــلاق الروح :

لست أريد شيئاً من العالم ، لأن العالم أفقر من ان يعطيني لو كان الذي أريده في العالم ، لا نقلبت هذه الأرض سماءاً ، ولكنها ما تزال أرضاً كما أري ، ليس في العالم الا المادة والماديات ، وأنا أبحث عن السماويات ، عن الروح ، عن الله .

لست أريد شيئاً من العالم ، فأنا لست من العالم ، لست تراباً كما يظنون ، بل أنا نفخة إلهية , كنت عند الله منذ البدء ، ثم وضعني الله في التراب ، وسأترك هذا التراب بعد حين وأرجع إلى الله. لست أريد من هذا التراب شيئاً ، من عند الآب خرجت وأتيت إلي العالم ، وأيضاً أترك العالم وأرجع إلي الآب.

لست أريد شيئاً من العالم ، لأن كل ما أريده هو التخلص من العالم . أريد أن أنطلق منه، من الجسد ، من التراب ! وارجع – كما كنت – إلي الله ، نفخة { قديية } لم تتدنس من العالم بشئ.

لست أريد شيئاً من العالم ، لأني أبحث عن الباقيات الخالدات، وليس في العالم شئ يبقي إلي الأبد، كل ما فيه إلي فناء، والعالم نفسه سيفني ويبيد. وأنا لست أبحث عن فناء.

لست أريد شيئاً من العالم ، لأن هناك من اطلب منه. هناك الغني القوي الذي وجدت فيه كفايتي ولم يعوزني شئ. أنه يعطيني قبل أن أطلب منه ، يعطيني النافع الصالح لي. ومنذ وضعت نفسى في يده لم أعد أطلب من العالم شيئاً.

لست اريد شيئاً من العالم ، لأن العالم لا يعطيني لفائدتي وإنما يعطي ليستعبد. والذين أخذوا من العالم صاروا عبيدا له، يعطيهم لذة الجسد ، ويأخذ منهم طهارة الروح . يعطيهم متعة الدنيا ، ويأخذ منهم بركة الملكوت . ويعطيهم ممالك الأرض كلها ليخروا ويسجدوا له . ويعطيهم كل ما عنده لكي يخسروا نفوسهم . أما أنا فقد خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح { في 8:3}. وهذا العالم الذي يأخذ أكثر وأفضل مما يعطي ، هذا العالم الذي يستعبد مريديه ، لست أريد منه شيئاً ..

لست أريد شيئا من العالم لأنني أرقي من العالم . انني أبن الله . صورته ومثاله . أنني هيكل للروح القدس ومنزل لله أنني الكائن الوحيد الذي يتناول جسد الله ودمه . أنني أرقي من العالم ، وأجدر بالعالم أن يطلب مني فأعطيه ، أنا الذي أعطيت مفاتيح السماوات و الأرض . وانا الذي شاء الله في محبته وتواضعه أن يجعلين نوراً للعالم وملحا للارض {مت5}.

لست أريد من العالم لأنني أريد ان أحيا كآبائي ، الذي لم تكم الأرض مستحقة ان يدوسوها بأقدامهم . هكذا عاشوا ، لم يأخذوا من العالم شيئا بل علي العكس كانوا بركة للعالم . من اجل صلواتهم أنزل الله الماء علي الأرض ، ومن أجلهم أبقي الله علي العالم حياة حتي اليوم ..

لست أريد شيئا من العالم لأن الخطية قد دخلت إلي العالم فأفسدته . في البدء نظر الله إلي كل شئ فرأي أنه حسن جداً إذ لم تكن الخطية دخلت بعد ، حتي التنين العظيم في البحر باركه الرب ليثمر ويكثر ، أما الآن وقد تشوهت الصورة البديعة التي رسمها الله في الكون فقد مجت نفسي العالم ، ولم أعد اشتهي فيه شيئاً ، هذا العالم الذي أحب الظلمة أكثر من النور .

لست اريد شيئاً من العالم ، لأني أريدك أنت وحدك ، انت الذي احببتني حتي المنتهي ، وبذلك ذاتك عني . أنت الذي كونتني أذ لم اكن ، ولم تكن محتاجاص إلي عبوديتي بل انا المحتاج إلي بروبيتك أريد ان أنطلق من العالم وأتحد بك ، انت الذي أعطيتني علم معرفتك ..


يُمكنك قراءة كتاب إنطلاق الروح على هاتفك الأندرويد عبر تطبيق كتب البابا، نزله من هنا .


من الناس من هم جهلة لم يتعلموا علي
الإطلاق ، منهم من قد علمـهم النـــــاس
وهؤلاء أشد جهالة ، أمــا المتعلمــــون
الحقيقيون فهــم الذين تعلمــــــــــوا من
الله مبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاشـــرة

لقد خلق الله الإنسان علي جانب وافر من المعرفة . وعنما كان الإنسان يحتاج إلي مزيد من لعلم ، كــــان الله يعلمه بنفسه ، ولو استمر افنسان هذكا لصار عالما ، ولا ستطاع أن يأكل من شجرة الحياة ويحيا إلي الأبد ، للكن الإنسان قبل لنفسه أن يتلقي العلم علي غير الله فبدأت جهالته ، وهكذا أخذ اول درس له عـن الحية وأكل من { شجرة المعرفة } فصار جاهلا .. وما زال الإنسان يسعي إلي المعرفة بعيداً عـــــن الله ، فيزداد جهالة علي جهالته .

أن الإنسان هيكل الله ، وروح الله ساكن فيه ، هذا الروح الذي قال عنه السيد المسيح : { يرشدكم إلي جميع الحق } {يو13:16}. والذي قال عنه القديس بولس الرسول أنه : { يفحص كل شئ حتي أعماق الله }{1كو10:2}. ولأن الإنسان من فرط شقاوته وجهله ، كلما يبحث عن المعرفة ، لا يطلب أخذها من داخله، من روح الله الساكن فيه ، وإنما يفتش عنها في الخارج عند الناس ، وفي الكتب التي يظن أن له فيها حياة … !

وهكذا كثر العلماء وحكماء هذا الدهر ، وكانت حكمة هذا العالم جهالة عند الله ، ولقد سار أوغسطينوس العظيم في هذا الطريق فترة طويلة ، يبحث عن الله خارجا عن نفسه فلا يجده ، ثم وجده أخيراً فناجاه بتلك الأنشودة الخالدة :
{ قد تاخرت كثيراً في حبك ايها الجمال الفائق في القدم والدائم جديداً إلي الأبد }.
{ كنت في فكيف ذهبت ابحث عنك خارجاً عني …}
{ انت كنت معي ، ولكني لشقاوتي لم أكن معك …}
ولما بحث اوغسطينوس عن الله في داخله ، وجده وصار قديسا …
وهكذا أنت يا اخي الحبيب ستظل كثيرا في بحثك عن الله ان بحثت عنه في الخارج . أجلس إلي نفسك وفكر وتأمل ، وادخل إلي أعماق اعماقك ، واطلب الله ، فستجده هناك ، وستراه وجها لوجه ، وتحسه كنبع دافق فياض من المحبة ، فتعيش في فترة من الدهش العجيب وتضرخ في فرحة صامتة
{ لقد رأيت الله }.

هذه هي الطريقة التي لجأ إليها آباؤنا القديسون ، خرجوا من زحمة الحياة ، ومن اضطراب العالم وصخبه ، وتركوا كل شئ وبحثوا عن الله في داخل نفوسهم ، وهكذا بالهذيذ والتأمل استطاعوا أن يروا الله ، وفي نفس الوقت كان المفكرون والفلاسفة والباحثون والعلماء يفتشون عن الله في الكتب وعند الناس ، فلا يصلون الا إلي جهالة وغموض وتعب .. أوق هذا وأنا متألم ، لأنني أري أيضاً كثيرا من الآباء الذين ذهبوا إلي الفقر ، قد أخذوا هم ايضاً يفتشون عن الله في الكتب أو في المشروعات أو في الخدمة ، بينما الله في قلوبهم من الداخل ، يريدهم أن يفرغوا من هذه المشغوليات كلها ويجلسوا إليه فيحدثهم عن اسرار لا يعرفها أحد ، ويريهم ما لم تره عين .

ليس هذا بالنسبة إلي الرهبان فحسب ، وإنما إلي الجميع .. أتدري يا أخي الحيب ما هي الطريقة الصالحة للتربية الروحية ؟ أنها ليست في اعطاء الإنسان شيئاً جديداً ، فهو يملك كل شئ والروح الحال فيه يعرف أكثر مما تريد انت أن تعلمه .. إنما الوسيلة الصالحة للتربية الروحية هي في تخليص الإنسان مما يملك من معلومات خاطئة ، من معرفة أخذها من العالم او من الناس .

أن الطفل يولد وفي قلبه وفي فكره وفي خياله فكرة واسعة جميلة عن الله ، ثم يتولاه المجتمع المسكين بالتعليم ، فيقدم له أفكارا عن الله غير افكاره ، ويقدم له صوراً عن الله وعن القديسين تحد من خيال الطفلالواسع .. وهذكا تتبدل فكرة الطفل عن الله وعن القداسة بمصطلحات عرفية عن الخير والشر ، التي أكل منها آدم وحواء . ويصير مثلهما جاهلا ، وياتي دور المرشدين الروحيين الحقيقين ،لا لكي يزيدوا علي الطفل علما ، وإنما لينزعوا منه المعرفة الباطلة التي أخذها من العرف والتقاليد وتفسيرات الناس للين . وعندما تنطلق روحه من هذا كله يعرف الله علي حقيقته ، لأن الله ليس غريبا عنه ، بل هو ساكن فيه ..


يُمكنك قراءة كتاب إنطلاق الروح على هاتفك الأندرويد عبر تطبيق كتب البابا، نزله من هنا .


حب التعليم خطر كبير .. ابتعــــــد
عنه يا أخي الحبيب حيثما وجــــد
وأهرب منه علي قدر ما تستطيـع

أنك تريد أن تعلم الناس . ولكن أي شئ تريد أن تعلمهم ؟
ألست معي يا اخي العزير في أننا لم ننضج بعد ، ولم نتعلم بعد ؟ هناك أشياء نفهمها من وجهة نظر واحدة فنسئ فهمها . وعندما ندفع بأنفسنا لتعليم الناس ، لا نعلمهم الدين كما هو وإنما كما نفهمه نحن ، وفي سن معينة ، ودرجة روحية وعقلية معينة . وقد نكبر في السن والروح والعقل ، ونفهم الدين فهما آخر غير فهمنا له اليوم ، فماذا يكون من أمر الناس الذين علمناهم قبلاً ؟!

لذلك ولغيره يقول القديس يعقوب الرسول في رسالته { لا تكونو معلمين كثيرين يا أخوتي . عالمين أننا نأخذ دينونة أعظم ، لأننا في شاياء كثيرة نعثر جميعاً }{يع3: 1، 2}.

وهكذا نسمع أرميا يقول لله { لا أعرف ان أتكلم ، لأني ولد {أر6:1}. ويقول اشعياء النبي عن نفسه أنه { إنسان نجس الشفتين }{أش5:6}. ونجد القديس باخوميوس يأتون إليه يطلبون كلمة تليق ، فلا يتحدث ، ولكن يدفع إليهم بتلميذه تادرس فيتحدث روح الله علي لسان هذا التلميذ القديس ..

وأحد الآباء وهو شيخ ، يأتي إليه أخ ليأخذ تعليما فيقول له { أمكث في قلايتك وهي تعلمك كل شئ } فيرجع الأخ منتفعاً … قصص كثيرة ، أقرأها يا أخي بنفسك ، وأنظر أي درس يعطيك الله عن طريقها . ولي ملاحظة قبل أن اترك هذه النقطة وهي أن تعاليم كثيرة للآباء القديسين وصلت الينا عن أحد طريقين : اما ان الأب الشيخ كان في اثناء حديثه مع الأخوة ، يتناول راهب ورقة ويدون ما يقوله الشيخ ، واما أن الأب كان يسجل تاملات له لمنفعة ، فيجدونها في قلايته بعد نياحته وينتفعون بها .

هناك يا أخي الحبيب فرق شاسع جداً بين التعليم وحب التعليم : التعليم دعا إليه الكتاب المقدس ، وعهد به إلي اشخاص معينين ، أما حب التعليم ففيه خطر كبير ، في أحيان كثيرة يكون احساس متنكرا .. مع حب التعليم يأتي في كثير من الأحيان احساس خفي أو ظاهر بالجدارة الشخصية ، وبالامتياز عن الآخرين ، وكلما يتسع عند الشخص نطاق التعليم كلما يكبر عنده هذا الأحساس ، حتي ليدخل إلي الكنيسة أحيانا لا لينتفع ، بل لينقد ويقيم من نفسه معلما للمعلمين . أنه لا يأخذ ابدأ ، وأنما يعطي باستمرار ، ومثل هذا الشخص الذي لا يأخذ يأتي عليه وقت يجف فيه ، ولا يعد لديه شئ ليعطيه ..

أما ألاباء فكانوا علي عكس هذا تماماً . كانوا يتعلمون باستمرار ويأخذون نفعاً من كل شئ . كان القديس انطونيسو العظيم يأخذ تعليماً من امرأة { لا تستحي أن تخلع ثيابها لتستحم ، أمام راهب }. والقديس مكاريوس أب برية شهيت كلها يأخذ تعلمياً من صبي صغير . وأرسانيوس الذي درس حكمة اليونان والرومان يتعلم من مصري أمي }. هؤلاء الآباء كانت أرواحهم تطوف كالنحلة النشيطة فتجني من كل زهرة شهداً !

هناك خطورة أخري في حب التعليم ، ذكرني بها إنسان غيور شغله التعليم عن نفسه : كان يقرأ الكتاب المقدس لا لينتفع ، وإنما ليحضر درساً . ويحسن إلي الفقراء لا لأنه يحبهم وإنما ليكون قدوة للناس . ويحترس في تصرفاته لا لأنه يؤمن بما يفعله ، وإنما لكي لا يعثر الاخرين . ويجلس إلي الناس لا ليقتبس من أرواحهم شيئا وإنما ليمتحن حديثهم { كأستاذ } ثم يلقي بحكمة شارحا الأوضاع السليمة . بل قال مرة أنه كان يقف للصلاة فإذا ما افتقده روح الله ، وشعر في الصلاة بشئ ، أو سبحت تأملاته في شئ ! يقطع صلاته ويجلس ليسجل هذه الأختبارات ليعلم بها الناس لقد انقلبت وسائط النعمة عند هذا الإنسان ، واصبح التعليم عنده هو كل شئ .

همسة أخري أريد أن أهمسها في اذنك الحبيبة إلي قلبي وهي { أي شئ ستعلمه للناس ؟ أهو الدين ؟ هل تظن الدين مجرد معلومات يملأ بها الإنسان عقله ؟ أخشي ما أخشاه يا صديقي المجاهد أن طريقة بعضالناس ستحول الدين إلي علم يدرسونه ويمتحنون فيه كسائر العلوم ، وما الدين الا روح وحياة كما تعرف .

قال لي { ولكني معلم في الكنيسة فماذا اعمل ؟} . قلت له { حية هي روحك يا اخي الحبيب . أنك لا تعلم تلك النفوس وإنما تحبها . وهذه الأرواح التي تراها منطلقة حواليك ، لم تطلقها التعاليم وإنما المحبة ، المحبة التي { لا تسقط ابداً لأنها الله …. }.


يُمكنك قراءة كتاب إنطلاق الروح على هاتفك الأندرويد عبر تطبيق كتب البابا، نزله من هنا .


كثيرون يدعون أنهــــم أغنيـــــــاء
يملكون من قنية العالم أشياء كثيرة
أما أنت يا أخي الحبيب فقد تخلصت
من الشعور بالأمتلاك منـــــذ أيقنت
أن الملكية تقيد روحك .

لقد جئت إلي العالم بلا شك فقيرا مثلي لا تملك فيه شيئاً عريانا خرجت من بطن أمك . لا تملك الأقمطة التي قمطوك بها ، ولا الفراش التي أضجعوك عليها . وكل ما { أمتلكته } في العالم بعد ذلك لم يكن في الواقع الا عطية من الله . لم يكن ملكك وإنما أمانة وضعها الله في يدك لفترة محدودة هي فترة العمر ، وعندما تنقضي حياتك علي الأرض ستخرج منها فقيرا كما اتيت ، ورعيانا كما ولدت . أما قنية العالم التي أدعيت ملكيتها عندما كنت علي الأرض والتي تركتها رغما عنك ، فسيدعي ملكيتها غيراك . وينتقل من الأرض ليدعي ملكيتها ثالث ، وهكذا دواليك …

انك لا تملك شيئا إذن ، حتي ذاتك . لم يكن لك ذات من قبل إذ لم يكن لك كيان أو وجود ، كنت عدما . ثم خلق الله ذاتك . وعندما سقطت واصبحت هذه الذات ملكا للموت والهلاك ، عاد الله واشتراها بدمه وافتداها لنفسه . أنت إذن من كل ناحية لا تملك شيئاً حتي ذاتك ، لذلك فالذي يخطئ إلي ذاته يخطئ إلي الله نفسا ، لأنه يفسد ملكا لله ، ويفسد جسدا سر الله بعد أن امتلكه أن يجعله هيكلا لروحه القدوس . وبالمثل من يخطئ إلي الآخرين ، فإنه مخطئ ضد الله نفسه عن طريق مباشر وغير مباشر . لقد اخطأ داود ضد أوريا الحثي وزوجته ومع ذلك قال لله { لك وحدك أخطأت } وليس السبب في ذلك مخالفته لله فحسب ، وإنما خطيئته أيضاً ضد كائنين هما ملك لله .

أن شعرت بهذا يا أخي الحبيب أدركت خطورة الخطية وضعها الدقيق ، انك لا تملك ذاتك حتي تتصرف فيها تصرف الملاك في أملاكهم .

أما من جهة المقتنيات فقد شرحنا كيف أنها جميعاً ليست ملكك وإنما هي عطية من الله . أنت مجرد إنسان استؤمن عليها ليدبرها بأمانة كما يليق بوكيل صالح . وهذا التدبير سيسألك الله عنه عندما يقول أعطني حساب وكالتك { لو2:16} . من اجل هذا نجد ملكا غنيا جداً كداؤد } يري الأمور علي حقيقتها فيقول : { أما انا فمسكين وفقير } {مز69} لم يكن فقيرا حسب العرف البشري الخاطئ ، ولكنه حقا لا يملك شيئا بحسب النظرة الروحية السليمة . ومن أجل هذا أيضاً كنا نجد الآباء القديسين ينذورن الفقر الأختياري ، وينظرون إليه كأحد الأعمدة التي تقوم عليها حياتهم الرهبانية .

وبهذا يمكنك أن تفهم الصدقة بمعناها الصحيح ، أنك لا تعطي من مالك شيئاً ، وإنما أنت تعطي لخليقة الله من مال الله . الأمر إذن لا يدعو إلي البر الذاتي أو إلي الفخر ، ولا يدعو ايضاً أن تفكر في البتعاد عن مدح الناس لك ، بأن تمدح نفسك بالتصدق تحت امضاء { فاعل خير } أعجبني متبرع قرات امضاءه فإذا هو : { فاعل شر يرجو الصلاة من أجله }.

الكائن الوحيد الذي يتصدق من ماله علي الناس هو الله . ولست أحب أن أسمي الصدقة فضيلة ، حيث أنها ليست فضلاً او تفضلاً من المتصدق . وهو لا يعدو أن يكون ، كما قلنا موصلاً لنعمة الله إلي الآخرين ، وما يقال عن الصدقة يقال عن باقي الأعمال الحسنة التي لا يمكن أن تعتبر فضلاً من احد .

يلحق بالصدقة عنصر آخر وهو الشكر عليها ، كيف تقبل يا اخي ا، يشكر الناس علي شئ لم تدفعه من عندك ، أن كان المال مال الله ، فكيف تشكر أنت عليه ، وكيف توضر بقبول هذا الشكر ؟ أعط مجداً لله ، وتوار ليظهر هو ، فهو الذي عمل العمل كله .

أن الشعور بالأمتلاك قيد يقيد روحك ، ويشعرك بما ليس فيك حقيقة ، فاهرب منه ليس إنكار لذاتك ، وإنما اعترافا بحقيقتك وليكن الله معك .


يُمكنك قراءة كتاب إنطلاق الروح على هاتفك الأندرويد عبر تطبيق كتب البابا، نزله من هنا .


إنطلق يا أخي من استعبــاد ذاتـــــك
لك لأنك أن وصــلت إلي اتفــاق مـع
نفسك ، وتــحررت من الداخل ، فلن
تستطيع كل الظــروف المحيطـــة أن
تؤثر عليك ، إذ تكون قد وصلت إلي
إنطلاق الروح .

هل تحسب يا أخي الحبيب أن العالم له سلطان عليك ؟ وهل تظن أن العثرات والمغريات هي السبب في سقوطك ؟ كلا . تخطئ كثيراً ان ظننت شيئاً من هذا . فقد يكون للعالم او مغرياته بعض التدخل ، ولكن السبب الأساسي الحيقي لسقوطك هو ذاتك من الداخل .

لو لك تكن قابلا للخطية ، مرحبا بها ، أو محبا لها ، لو لم تكن هكذا ما سقط . لقد كان يسوف الصديق يعيش في جو مشبع بالخطية ، وقد احاطت الخطية بيوسف في عنف ولكنهلم يسقط ، لأن كل الأغراءات لم تستطيع أن تدخل إلي قلبه النقي . فانتصر علي الخارج كله ، لنه كان منتصراً في الداخل . لا تقل أني سقط لأن العالم ملئ بالمغريات ، ولكن الأصح أن تقول : انك سقط لأن في قلبك حنينا إلي تلك المغريات وقبولا لها .

أثنان يمران في الطريق علي حانة ، فلا يستطيع أحدهما أن يقاوم منظر زجاجات الخمر المعروضة ، فيدخل ويشرب ويسكر وأما الآخر فيمر علي الحانه دون أن شعر بوجودها أو بوجود الخمر فيها . لا يراها معثرة ، ولا تترك في نفسه أثرا ، ولا تعزيه لسبب واحد : وهو أن قلبه خال من الحنين إلي الخمر ، خال من محبتها . قلبه من الداخل لا تقوي عليه المؤثرات الخارجية .

أنتصارك إذن في حياتك الروحية يتوقف علي عامل حيوي ، وهو نتيجة المعركة الداخلية بينك وبين نفسك . أن أستطعت أن تصلب ذاتك في داخلك ، ستخرج إلي العالم الخارجي بتلك العين البسيطة التي تري الخير في كل شئ ، والجمال في كل شئ ، وكما يقول الرسول : { كل شئ طاهر للطاهرين }{تيطس15:1}.

بعض الناس يتحاشون الأوساط الخارجية المعثرة ، وهذا حسن وواجب ، لأن الله منعنا عن مجالس المستهزئين وطريق الخطاة . ولكن الخطأ هو أن هؤلاء البعض يكتفون بتحاشي الأوساط الخارجية تاركين الحيوان الرابض في أحاشهم كما هو في شهوته للعالم والأشياء التي في العالم . أمثال هؤلاء قد يصادفهم النجاح بعض الوقت ، ولكن ما اسرع ما يسقطون عندما تضغط عليهم التجربة وتفحم الإغراءات ذاتها في حياتهم .. هؤلاء يحبون الخطية وأن كانوا لا يفعلونها ، والشخص الذي يحب الخطية قد يسقط فيها – ولو بعد حين – مهما تحاشاها امثال هؤلاء يبتعدون عن الشر ، ولكنهم يعتقدون في نفس الوقت أن عملهم هذا تضحيةمنهم في سبيل الله . أنهم – كالخطاة تماما – ما زالوا يعتقدون أن الشر لذيذ ، والخطية حلوة مشتهاة ، وما زالوا ينتظرون إلي الشجرة فيجدونها جيدة للأكل وبهجة للعيون وشهية للنظر ، ولكنهن يفترقون في أمر واحد وهو أنهم لا يمدون أيديهم ليقطفوا . أنهم لم ينتصروا في الداخل ، ولم يسكن الله في قلوبنهم لذلك فهناك في العالم ما يغريهم وما يعثرهم ، ففيه الخطية المحبوبة التي تشتاقون إليها ولكنهم يهربون منها خوف السقوط فيها .

أستطيع أن أقول أن هؤلاء – من ناحية الفعل – يطيعون وصايا الله ، وأن كانوا لا يحبونها ولا يحبونه .

مثل هذا النوع إذا استمر في جهاده قد يخلص كما بنار وقد لا يستطيع أن يستمر في الجهاد فيسقط ويكون عظيماً ، لأن بيته ليس مؤسسا علي الصخر . أما الوضع الصحيح الذي يكون فيه الروح منطلقا ، فهو عدم الأستعباد للخطية وعدم محبتها ،حيث يكون الإنسان حرا من تأثير الشر عليه . { فالمغريات } في نظرغيره ، ليست هكذا بالنسبة إليه لأنها لا تغريه ، بل علي العكس هو لا يتفق معها بطبيعته المقدسة ، لذلك فهو لا يتجاوب معها ، بل ينفر منها دون جهاد ودون تعب ، إذ قد ترك هذا الجهاد السلبي ، ,اصبح جهاده سعيا في سبيل التعمق في الروح وفي معرفة الله .

ولكن الإنسان – كما قلنا – لا يمكن أن يصل إلي هذه الحالة ما لم يتنق من الداخل ، وينتصر في حربه مع نفسه التي تشتهي ضد الروح ، علي الإنسان ان يصل مع نفسه إلي اقتناع أكيد بمرارة الخطية وبشاعتها ، وبحلاوة الله ومتعة الحياة معه .

وفي هذه الحرب الداخلية { يقمع الإنسان جسده ويستعبده } {1كو27:9}. بل ويصلب في ذاته وشهواته . لا يقيدها ويتركها تصرخ فتحنن قلبه بصراخها ورعودها . وإنما ينظر إليها بمنظار الله فيجدها حقيرة لا تستحق شيئاً فينفر منها .. وهكذا يقول مع الرسول { مع المسيح صلبت ، فأحيا لا أنا بل المسيح الذي يحيا في }{غل20:2} ألست تري أن هذا بعضا مما يقوله السيد المسيح { من أراد ان يخلص نفسه يهلكها ومن يهلك نفسه من أجلي يجدها }{مر35:8}.

ولكن هذا الأمر لا يمكن أن يتم بدون معونة خاصة من اله لذلك فالجهاد مع النفس لابدأن يصحبه جهاد مع الله . جاهد يا أخي معه في ضراعة مرددا قول إسرائيل البار { لا أتركك حتي تباركني }{تك26:32}.
قل له أيضاً : { تنضح علي بزوفاك فأطهر ، وتغسلني فأبيض أكثر من الثلج }{مز50} وثق أنك إذا خرجت من هذه الحرب منتصرا فمن المحال أن تقوي عليك كل قوي الشر ولو اجتمعت .

ولكنك تري با أخي الحبيب أن كل هذا يحتاج إلي الخلوة ومن هنا كانت الخلوة عنصرا أساسيا في حياة اولاد الله . استطاعوا بها أن يجلسوا إلي نفوسهم ، وأن يجلسوا إلي خالقهم ، وأن يخرجوا من هذا وذلك بأسلحة متجددة تعينهم في حياتهم الروحية ، وتدفعهم باستمرار إلي العمق . انظر إلي حياتك جيداً وتأملها في صراحة فربما كان أسباب سقوطها افتقادها إلي الخلوة .

أن الشخص الذي لم يختبر هذه الخلوة ، هو شخص لا يعرف نفسه علي حقيقتها . وهو شخص في اغلب الأحوال يجرفه التيار فلا يعلم إلي أين يذهب . أنه غالبا يفكر بعقلية الجماعة ويسير علي هداها ، فينحدر ويظل في انحداره حتي يخلو إلي نفسه فيحس أنه ساقط .

أما أنت فلا تكن هذا الشخص . حدد لنفسك أوقاتا مقدسة تراجع فيها سيرتك ، وتتذكر فيها المبادئ السامية التي اقتنعت بها منذ زمان ، ولتستريجع أمامك حياة المنتصرين من أودلا الله ، وتغذي نفسك بكلام الله واقوال الآباء وسيرهم ، وتسكب نفسك أمامه في حرارة وعمق . تأخذ منه خبزك اليومي الذي لا غني لنفسك عنه .

الله معك يقويك ، ويهبك القداسة التي من عنده ، ويغفر لنا خطايانا.


يُمكنك قراءة كتاب إنطلاق الروح على هاتفك الأندرويد عبر تطبيق كتب البابا، نزله من هنا .


{ هل تحسب أني سأحاسب وحدي
علي خطاياي ؟ كلا ، بـل أنكــــــــم
ستقتسمون الحســـاب مـعي . فــلو
اعتنت بي الكنيســــــــــــة ما كنـت
أصــــــــل إلي هـــذه الحالــــــة !!}

قال لي وهو ينفث دخان سيجارته في وجهي : { لعلك تعجب من حالتي الآن } فنظرت إلي شعره الطويل المصفف اللامع وعينيه الغائرتين ، واسنانه الصفراء ، واصابعه المرتعشة في عصبية ظاهرة ، وشعرت نحوه بكثير من الأشفاق .. أنه واحد من الذين فداهم المسيح بدمه . وقبل أن أجيبه بشئ استطرد في مرارة:
{ أنني لم أكن هكذا كما تعلم .. كنت قوي الروح ، رضي الخلق ، مواظبا علي الكنيسة ، ثم أخذت أقتر شيئاً فشيئاً حتي انقطعت عن حضور الأجتماعات فلم تفتقدني الكنيسة أو تسع لارجاعي ، وزاد غيابي وزاد معه فتوري ، وضعفت ارادتي ، وظللت أهوي من قمتي العالية قليلا دون أن يفتقدني أحد .. إلي أن أفتقدني الشيطان …
وعندما أتي وجد قلبي مزينا مفروشا ووجد أرادتي منحلة ، ولم يجد حولي انجيلا ولا صلاة ولا واحد من المرشدين الروحيين ، وهكذا ضعت فريسة سهلة ، وسرت في الظلام .. الظلام المحبوب الذي احبه الناس أكثر من النور }. وهز رأسه في هدوء وقال : { أنني أشتري الآن أربع علب من التبغ كل يوم } .

وشهقت في دهشة وألم استمر { وأذهب إلي دورالخالية ما لا يقل عن ثلاث مرات في السبوع ، واقرأ القصص العابثة وأتسلي بالأغاني الماجنة . وأصطحب جماعة كأنهم من زبانية الجحيم .. في بدء سقوطي كنت أقاوم الخطيئة ولا استطيع لضعف أرادتي .. أما الآن فأني لا أقاوم علي الأطلاق } ثم ضحك في استهتار وقل : { بل أخشي أن أقول أن الخطية هي التي تقاومني ، ولكنها لا تستطيع لضعف أرادتها }!

وكنت خلال ذلك حزينا جدا ، أما هو فنظر إلي نظرة قاسية وقال في حدة : {هل تحسب أنني سأحاسب وحدي علي خطاياي . كلا . بل أنكم ستقتسمون الحساب معي . فلو اعتنت بي الكنيسة ما وصلت إلي هذه الحالة }.

ليس المهم يا صديقي القارئ أن اكمل لك قصة هذا الشاب فإنها واحدة من شبيهات كثيرات . علي أنني أقول لك أنني رجعت إلي منزلي في تلك الليلة وأنا في غاية الألم من اجله ومن أجل نفسي . أخذت اسائل نفسي في صراحة : كم شخص مثل هذا تدهورت حالته نتيجة لعدم افتقادي وعدم أهتمامي ؟ وأخذت استعرض أسماء الذين لم أفتقدهم منذ مدة ، وأنتابني خوف وهلع ، وشعرت نحوهم بكثير من القلق ، ثم تساءلت : العل وجودي خادما هم معطل لخدمة الله . ورنت في أذني عبارة الشاب { أنكم ستقتسمون الحساب معي } وتذكرت قول القديس يعقوب الرسول : ر لا تكونوا معلمين كثيرين يا أخوتي عالمين أننا ناخذ دينونة أعظم لأننا في اشياء كثيرة نعثر جميعاً }.

ولما استمرت حالة الأضطراب مدة معي ، طلبت أعفائي من الخدمة ، وإذ رفض طلبي أرتميت أمام الله وبكيت بكاءاً مرا عرفت أنني مسكين ..

مسكين عندما رضيت أن أكون خادماً ولم أقل عبارة أرميا { آه يا سيد الرب أني لا اعرف أن أتكلم لأني ولد }
ومسكين عندما كنت أحسب الدرس مجرد محاضرة القيها في هدوء وأنصرف في هدوء .

يا أخوتي القراء صلوا من أجللي جميعاً . ومن أجل كل مدرسي مدراس الأحد فأنهم مساكين مثلي ومحتاجون .
وأذ أشكو وأتألم من مسئولية فصل صغير ، مذا أقول يا أخوتي عن آباي الكهنة ؟ أليسوا هم بالأكثر مساكين جدا ماذا يفعل الكاهن وهو مسئول عن خمسة أو عشرة آلاف نسمة ؟
ماذا يجيب عندما يناديه الله { أعطني حساب وكالتك }.

في كنيسة الآباء الأول كان يعاون الكاهن جماعة من الشمامسة ، يعملون معه ويساعدونه في الخدمة ويأكلون مثله من مال الكنيسة . أما الآن فأن أبانا الكاهن يعمل بمفرده ، فصلوا من أجله كثيراً حتي يعينه الله علي أتمام واجبه ، وانت يا ابي الكاهن ما الذي دفعك إلي الكهنوت ؟ هل نظرت إلي امتيازه أم إلي مسئوليته ؟ الا تعرف
يا أبي أنك مسئول عن كل رعيتك : الكبار والصغار ، الرجال والنساء ، الشبان والشابات . ولست مسئولا عمن يحضرون الكنيسة فحسب ، بل ايضاً عمن في دور العبث والفساد ، عن كل شاب ما جن في الطريق ، وكل سكير في حانة ، وكل نزاع في اسرة .

أن لم تعرف يا ابي أنك مسكين جداً فخير لك أن تعرف هذا من الآن. فأدخل إلي مخدعك وأبك بكارءاً مرا . سلم الأمر لله . قل له انك ضعيف ، وأن حملك ثقيل ، جتهد واسهر ، لئلا ياتي بغته فيجدك نائما .

أن كان أبونا الكاهن هكذا فماذا نقول يا أخوتي عن آبائنا الأساقفة ، الذين سيسأل الله كل واحد منهم عن حوالي مائتي ألف نسمة أو أكثر . كهنة وعلمانيين ؟! ألا تروا معي يا أخوتي أنهم مساكين جدا . فصلو من أجلهم بلجاجة حتي يساعدهم الله علي أداء أعمالهم . وأنت يا ابي الأسقف ما الذي دفعك إلي الأسقفية او المنصب ام المسئولية ؟ هل أشتهيت فبها المركز والسلطة ولقب { صاحب النيافة } وعضوية المجمع المقدس ، أم أنك تشتهي تخليص النفوس !

ثم ماذا فعلت يا سيدي السقف بخصوص مسئوليتك ؟ قارن حالة الأيبارشية منذ توليتها حتي الآن .. هل تقدمت أو زالت كما هي ؟ يحسن بك يا أبي الأسقف أن تدخل إلي قلايتك وتبكي بكاءاً مراً . تذكر أن الرهبان القديسين كانوا يهربون من هذا المنصب لأن مسئوليته مخيفة . فاذا ما أمسك واحد منهم بالعنف ورسم أسقفا رغما عنه كان يبكي ويصرخ أمام اله واحد قائلاً : { أنت تعرف يارب أنني ذهبت إلي الدير لأخلص نفسي ، وهانذا قد أرجعت إلي العالم ولم أخلص نفسي بعد ، ومطلوب مني العمل علي تخليص الآخرين ايضاً . وأنا يارب لا استطيع ، فاعمل أنت } وكان الله يعمل .

ثم ماذا عن آبائنا البطاركة الذين سيسأل الله كل واحد منهم عن حوال ثلاثة ملايين نسمة في مصر ، وعدد أكثر من هذا في الحبشة والسودان والخمس مدن الغربية التي نسمع عمها في القداسات … ماذا نقول عن هؤلاء ومسئولياتهم الخطيرة ؟ اليسوا هو أيضاً مساكين ؟ .. صلوا يا أخوتي من اجل كل بطريرك حتي يتمكن من القيام بواجبه وحتي يعطي جواب حينما يساله الله عن نفسه ونفوس الأساقفة والقسوس والسمامسة والرهبان والعلمانيين وعندما يسأله عن حفظ قوانين الكنيسة وعن نشر الأرثوذكسية في العالم …..

وأنت يا من سترشحون للبطريركية في يوم ما ، أن عرضت عليكم فأهربوا لحياتكم ، وأن دعاكم الله فأنظروا إلي مسئولياتها ، وأدخلوا إلي قلاليكم وابكوا أمام الله بكاءاً مراً.

يا أخوتي القراء : لا تنظروا إلي خدام الله من يتحملون المسئوليات نظرة المتفرج تمدحونهم أن احسنوا وتحاسبونهم أن اساءوا وإنما صلوا من أجلهم حتي ينجح العمل .

وأنت يا سيدي الخادم أهتم بالمسئولية وليس بالمنصب . ومتي شعرت بالعبء ألق علي الرب همك وهو يعولك.

اغلق الباب وحاجج في دجي الليل يسوعـــا
أملأ الليـــــل صلاةً وصراعاً ودمـــــــــوعا


يُمكنك قراءة كتاب إنطلاق الروح على هاتفك الأندرويد عبر تطبيق كتب البابا، نزله من هنا .


{ قد كرســـــــــوا كل حياتهـــــــــــــم لله
فكانت كل دقيقة مـــــــن اعمـارهم تنفق
في الخدمة .. هكذا كانــــــــوا يعنبـرون
الخدمة الروحية عملهـــــــــم الرئيــــس
ويرون باقي أعمال العالم أمورا ثانوية}

في تلك الليلة أنني كنت وحيداً في غرفتي الخاصة ، متمددا علي مقعدي وناظرا إلي لا شئ ، وإذ بابتسامة خاطئة تمر علي شفتي – لعلني كنت أفكر في نفسي كخادم – وهنا حدث حادث غريب : هل ثقلت رأسي فنمت أم أشتطت أفكاري متحولت إلي أحلام ؟ أم أشهر الله لي أحدي الروئ لست أدري ، ولكنني أدري شيئاً واحد وهو انني نظرت فإذا أمـــــامي جمــــــــاعة من الملائكة النورانيين ، وإذا بهم يحملونني علي أجنحتهم ويصعدون بي إلي فـــــــــــوق ، وأنا أنظر إلي الدنيا من تحتي فإذا هي تصغر شيئاً فشيئاً حتي تتحول إلي نقطة صغيرة مضيئة في فضاء الكون ، وأنصت إلي أصوات العالم وضوضائه فغذا بجسمي يخف ويخف حتـــي أحسن كأنني روح من غير جسد – فأتلفت في حيرة حولي لأري أرواحا كثيرة سابحــــــــة مثلي في الفضاء اللانهائي ، وأري من الملائكة ألوفا وربوات ربوات ها هم الشــــــــاروبيم ذوو الستة الأجنحة والساروفيم الممتلئون أعينا – وها هي أصوات الجميع ترتفع في نغم واحد موسيقي عجيب { قدوس ، قدوس ، قدوس } ولا أتالك نفسي فأنشد معهم دون أن أحس { قدوس الله الآب … قدوس أبنه الوحيد .. قدوس الروح القدس } واستيقظ عن انشــــــادي لاسمع نغمة قديسة خافتة لم تسمعها أذن من قبل ، فاتجه في شوق شديد نحو مصدر الصـــــــــوت ، فاذا أمامي علي بعد مدينة جميلة نورانية معلقة في ملك الله ، تموج بالتسبيح والتــــــرتيل ، كلما أسمع منها نغماص يمتلئ قلبي فرحاً ، وتهتز نفسي اشتياقا ، ثم أنا انظر فأري في المـــدينة علي بعد اشباحا أجمل من الملائكة : هوذا موسى ومعه ايليا وجميع الأنباء ، هوذا أنبــــــــــا أنطونيوس وأنبا اثناسيوس وجميع القديسين ، ها هم أبائي الأساقف وابائي الكهنة – ها هو أب أعترافي – ثم ها هم بعض زملائي ومدرسي مدارس الأحد .. ولم أستطع أن اتامل أكثـــر من ذلك بل أندفعت في قوة نحو تلك المدينة النورانية ، ولكن عجبا – انني لا استطيع التقدم ، فهناك ملاك جبار كله هيبه وجلاك ووقار يعترض سبيلي قائلاً .

  • { مكانك قف ! إلي أين أنت ذاهب ؟} فأجيبه :

  • { إلي تلك المدينة العظيمة يا سيدي الملاك – إلي حيث زملائي وأخوتي وآبائي القديسون }. ولكن الملاك ينظر إلي فوق في دهشة ويقول :

  • { ولكنها مدينة الخدام فهل أنت خادم ؟ { فلماأجبته بالأيجاب قال لي :

  • { أنك مخطئ يا صديقي فأسمك ليس في سجل الخدام وعصفت بي الدهشة فصرخت في هذا الملاك حارس المدينة :

  • كيف هذا ؟ لعلك لا ترعرفني يا سيدي الملاك . اسأل عني مدراس الأحد وأجتماعات الشباب واسال عني الكنائس والجمعيات . بل اسأل عني أيضاً في مدينة الخدام إذ يعرفني هناك كثير من زملائي مدرسي مدارس الأحد …..}
    وأجابني الملاك في صرامة وصراحة :

  • { أنني اعرفك جيداً ، وهم أيضاً يعرفونك ، ولكنك مع ذلك لست بخادم فهذا حكم الله }.
    ولم أحتمل تلك الكلمات ، فوقعت علي قدمي أبكي في مرارة ، ولكن ملاكا آخر أتي ومسح كل دمعة من عيني ، وقال لي في رفق :

  • { أنك يا أخي في المكان الذي هرب منه الحزن والكآبة فلماذا تكتئب ؟ - تعال معي ولنتفاهم }.
    وجلسنا منفردين نتناقش فقال لي :

*” أن أولئك الذين تراهم في مدينة الخدام قد كرسوا كل حياتهم لله ، فكانت كل دقيقة من أعمارهم تنفق في الحدمة . أليست هكذا كانت حياة بولس وباقي الرسل ؟ أليست هكذا كانت حياة موسى والأنبياء ؟ أليست هكذا كانت حياة الاساقفة والكهنة والشمامسة ؟ أليست هذكا كانت حياة القديسين ؟ أما أنت يا صديقي فلم تكن مكرسا بل كنت تخدم العالم . وكل ما لك من خدمة روحية هو ساعة واحدة في الأسبوع تقضيها في مدراس الأحد ، وأحيانا كانت خدماتك الأخري تجعلك تعطي الله ساعة ثانية ، فهل من أجل ساعتين في الاسبوع تريد أن تجلس إلي جانب الرسل والأبياء والكهنة في مدينة الخدام ؟} وكنت مطرقا خجلاً أثناء ذلك الحديث كله ، غير أنني قاومت خجلي وتجرأت وسألت الملاك : { ولكنني أري في مدينة الخدام بعضا من زملائي مدرسي مدارس الأحد وهم مثلي في خدمتي } فأجابني الملاك :

*{ كلا أنهم ليسوا مثلك . حقيقة أنهم كانوا يخدمون ساعة أو أكثر في مدارس الأحد ولكنهم كانوا يقضون الأسبوع كله تمهيد لتلك الساعة ، فكاونا يصرفون وقتا كبيرا في تحضير الدروس ووسائل الإيضاح، وطرق االتشويق ، والصلاة من أجل كل ذلك ، وبحث حالات التلاميذ واحدا واحدا ، والتفكيؤ في طريقة لاصلاح كل فرد علي حدة ، يضاف إلي ذلك أنشغالهم في الأفتقاد ، وفي ابتكار طرق نافعة لشغل اوقات تلاميذهم أثناء الأسبوع – ثم كانت لهم خدمات أخري مختفية لا تعرفها ، وهكذا يعتبرون الخدمة الروحية عملهم الرئيس ، ويرون باقي أعمال العالم أمورا ثانوية – لأ أعني أنهم أهملوا مسئولياتهم وواجباتهم العالمية بل كانوا مخلصين لها جدا وناجحين فها للغاية وأن كان عملهم العالمي أيضاً لا يخلو من الخدمة ، وهكذا حسبهم الله مكرسين }.

وعجب من هذه العبارة فسألت : { وكيف أستطيع أن أكون خادماً وأنا مشغول بعملي ؟} فأجابني الملاك :

{لعلك نسيت يا أخي عمومية الخدمة ! يجب أن تخدم الله في كل وقت وفي كل مكان : في الكنيسة وفي الطريق وفي منزلك وفي مكان عملك وإنما حللك أو تنقلت . لا يجب إذن الفصل بين المهنة والخدمة ، فعندنا في مدينة الخدام مدرسون استطاعوا أن يجذبوا كل تلاميذهم المسيحيين إلي مدارس الأحد ، وأن يصلحوهم ويتعهدوهم بالعناية المستمرة . وعندنا في مدينة الخدام أطباء لم يتخذوا الطب تجارة وإنما اهتموا قبل كل شئ بصحة مرضاهم مهما كانت حالتهم المالية ، فكانوا في أحيان كثيرة يداوون المريض ويرسلون له الدواء – كل ذلك بدون أجر ، بل كانوا يقموم بتأسيس المستشفيات والمستوصفات المجانية ، وعندنا في مدينة الخدام موظفون استطاعوا أن يقودوا كل زملائهم في العمل إلي الكنيسة للأعتراف والتناول من الأسرار المقدسة . وهناك أيضاً مهندسون ومحامون وفنانون وتجار وصناع : كل أولئك كانوا خداما في مهنهم ، فهل كنت أنت كذلك ؟}.
فخجلت من نفسي ولم أجب ولكن الملاك قال لي في تأنيب مؤلم

  • { هذا عن الخدمة في مكان عملك : ثم ماذا عن خدمتك في أسرتك !- أن يشوع الذي تراه في مدينة الخدام كان يقول { أما انا وبيتي فنعبد الرب }. أما أنت فلم تخدم بيتك بل كنت علي العكس في نزاع مستمر مع افراد أسرتك ، بل فشلت في أن تكون قدوة لهم وأن تجعلهم يقتدون بل . ثم مذا عن اصدقائك وزملائك وجيرانك ومعارفك ؟ كنت تزورهم في عيدي الميلاد والقيامة دون أن تحدثهم عن الميلاد والقيامة ، وعن الولادة الجديدة والقيام من الخطية بل تفرح معهم فرحا عالميا ، وأتيحت لك فرص كثيرة لخدمتهم ولم تستغلها ، فهل تعتبر نفسك بعد كل ذلك خادماً ؟!}

وطأطأت رأسي خجلاً للمرة الثالثة ، ولكني مع ذلك أحتلت علي الأجابة فقلت :

  • { ولكنك تعلم يا سيدي الملاك أنني شخص ضعيف المواهب ولم أكن مستطيعا أن أقوم بكل تلك الخدمة .
    وأندهش الملاك ، وكأنما سمع هذا الراي لأول مرة ، فقال في حدة :

  • { مواهب } ؟ ومن قال انك بدون المواهب لا تستطيع أن تخدم ! هناك يا اخي ما يسمونه العظة الصامته : لم يكن مطلوبا منك أن تكون واعظا وإنما أن تكون عظة .. ينظر الناس إلي وجهك فيتعلمون الوداعة والبشاشة والبساطة ، ويسمعون حديثك فيتعلمون الطهارة والصدق والأمانة ، ويعاملونك فيرون فيك التسامح والأخلاص والتضحية ومحبة الآخرين فيحبونك ويقلدوك ويصيروا بواسطتك أتقياء دون أن تعظ أو تقف علي منبر ، ثم هناك صلاتك من أجلهم وقد تجدي صلاتك أكثر من عظاتك }.

وللمرة الرابعة تولاني الخجل والارتباك ، فلم أحر جوابا واستطرد الملاك في قوله :

  • { وكان يجب عليك ايضاً – كعظة صامتة – أن تبتعد عن العثرات فلا تتصرف تصرفا مهما كان بريئا في مظهرة أن كان يفهمه الآخرين علي غير حقيقتة فيعثرهم – وهكذا تكون { بلا لوم } أمام الله والناس كما يقول الكتاب : جاعلا أمام عينيك كخادم قول بولس الرسول : { كل الأشياء تحل لي ، ولكن ليست كل الأشياء توافق}{1كو12:6}.

وتأملت حياتي فوجدت أنني في أحوال كثيرة جعلت الآخرين يخطئون ولو عن غير قصد . وقطع علي الملاك حبل تأملاتي قائلا في رفق :

  • { ولكن ليس هذا هو كل شئ . أنني أشفق عليك كثيرا يا صديقي الإنسان . وقد كنت اشفق عليك بالأكثر اثناء وجودك في العالم ، وخاصة في تلك اللحظات التي كنت تتألم فيها من { البر الذاتي }. كنت تنظر إلي خدماتك الكثيرة فتحسب أنك مثال للخدمة وبينما لم تكن محسوبا خادما غلي الإطلاق . ولعلك قد اقترفت أخطاء كثيرة أخري ، منها أن خدمتك كانت خدمة رسميات ، فقد كنت تذهب إلي مدارس الأحد كعادة اسبوعية ، وكعادة أيضاً كنت تصلي بالأولاد ، وكنت ترصد الغياب والحضور ، فتعطي للمواظب جائزة ، وتهمل الغائب غير مسئول عنه ، وهكذا خلت خدمتك من الروح ومن المحبة ، ولم تستطع أن تصل غلي أعماق قلوب الأولاد ، لأن كلماتك وتصرفاتك لم تكن خارجة من اعماق قلبك . ولم يكن في الترتيل الذي تعلمهم أياه روح البهجة ، ولم تكن في أوامرك لهم روح المحبة ، وهكذا لم تحدث في خدمتك تأئيرا ، وكذلك كنت في عظاتك في الكنائس ايضاً : تعظ لأن الكاهن طلب منك ذلك فوعدته وعليك أن تنفذ تجذب الأعجاب أكثر مما تهتم بخلاص النفوس ، وكان صوتك رغم علوه وأيقاعه ووضوحه باردا خاليا من الحياة ، وكنت تبتهج – ولو داخليا فقط – بمن يقرظ موضوعك دون أن تهتم هل جدد الموضوع حياة ذلك الشخص ام لا . ألا تري يا صديقي أنك كنت تخدم نفسك ولم تكن تخدم الله ولا الناس . ولعل من دلائل ذلك أيضاً أنك كنت ترحب بالخدمة في الكنائس الكبيرة المشهورة الوافره العدد دون الكنائس غير المعرفة كثيرا .

  • ثم أنه تقص من خدمتك من هذه الناحية أمران هما : حب الخدمة وحب المخدومين .. أما عن حب الخدمة فيتجلي في قول السيد المسيح : { طوبي للجياع والعطاش إلي البر } فهل كنت جوعانا وعطشانا إلي خلاص النفوس ؟ هل كنت طول الأسبوع تحلم بالساعة التي تقضيها وسط أولادك في مدارس الأحد ؟ هل كنت تشعر بألم إذا غاب أحدهم ، وبشوق كبير إلي رؤية ذلك الغائب فلا تهدأ حتي تجده وتعيد عليه شرح الدرس ! – ثم الأمر الآخر وهو حب المخدومين : هل كنت تحب من تخدمهم ، وتحبهم إلي المنتهي مثلما كان السيد المسيح يحب تلاميذه ؟ وتحبهم تعطف عليهم فتغمرهم بالحنان ؟ وهل أحبك تلاميذك أيضاً ؟ أم كنت تقضي الوقت كله في انتهارهم ومعاقبتهم بالحرمان من الصور والجوائز ؟ من قال أن لك أن تلك الطريقة صالحة لمعالجة الأولاد ؟ أن المحبة يا صديقي الإنسان هي الدعامة الأولي للخدمة . أن لم تحب مخدوميك لا تستطيع أن تخدمهم ، وأن لم يحبوك لا يمكن أن يستفيدوا منك }.

واطرقت في خجل مرير وقد تكسف لي حقيقتي بينما نظر إلي الملاك نظرة كلها عطف ومحبة وقال :

  • { أريد أن اصارحك بحقيقة هامة وهي انه كان يجب أن تقضي فترة طويلة في الاستعداد والأمتلاء قبل أن تبدأ الخدمة – لأنك وقد بدأت مبركا ولم تكن لك أختبارات روحية كافية ، وقعت في أخطاء كثيرة }.

ونظرت إليه في تساؤل وكأنما شق علي أن أخطئ وقد كلفت بأصلاح أخطاء الآخرين ، فأجاب الملاك علي نظرتي بقوله :

  • { هناك ولد طردته من مدراس الأحد لعصيانه وعدم نظامه – فأوجد هذا الطرد عنده لونا من العناد وقذف به إلي أحضان الشارع والصحبة الشريرة ، فأصبح أسوأ من ذي قبل ، وحاقت به من تصرفك اضرار جسيمة ، خاصة ,انه في حالته الجديدة فقد المرشد والعناية ، ولابد أنك مسئول عن هـذا لأنـه في حدود عملك }. فأجبت { ولكنه يا سيدي الملاك كان يفسد علي الدرس ، بل كان قــــــــــدوة سئية لغيره }.

فأجاب الملاك في مرارة :

*{ وهل من أجل ذلك طردته ؟ يا لك من مسكين : هل أرسلك السيد المسيح لتدعوا أبرارا أم خطاة إلي التوبة ؟؟ أن تلاميذك القديسين الذين كنت بسببهم تحارب نفسك بالبر الذاتي ، ترجع قداستهم إلي عمل الله فيهم ، أما ذلك المشاكس فهو الذي كان يجب أن تتناوله بالرعاية . لمثل هذا النوع دعاك الله . ولو أنك كرست جهودك كلها لاصلاح هذا الولد فقط ولم يكن لك في حياة الخدمة غير هذا العمل ، لكان هذا وحده كافيا لدخولك مدينة الخدمة … كان يجب أن تقدر قيمة النفس ,ان يكون لك الكثير من طول الأناة . فخادم مدارس الأحد الذي تخلو مؤهلاته من هاتين الصفتين لا يستحق أن يكون خادماً .

فقلت للملاك في رجاء : { وماذا كنت تريدني أن أعمل مع هذا الولد ؟} فأجاب :

  • { تخدمه بقدر ما تستطيع ، وتختبر نفسيته وتعالجه بحسب ظروفه ، وتصلي كثيرا من أجله – فإذا ما فشلت فلا نطرده وإنما حوله إلي فصل آخر ، فقد ينجح زميل لك من المدرسين فيما فشلت أنت فيه – فإذا لم ينفع هذا ايضاً يمكنكم أن تخصصوا فصلاً او أكثر من مدراس الأحد للأولاد المشاغبيـــــن ، يعامل فيها هؤلاء الأولاد معاملة خاصة وفق طبائعهم – ويمكن أن تكثروا من افتقادهم ومن تقريبهم إلي قلوبكم علي ألا يطرد واحد منهم مهما أدي الأمر. أنهم ليسوا بأكثر شرا من الحالة الأولي لزكا أو المرأة السامرية او مدينة نينوي . وخادم الله لا يعرف اليأس مطلقا ما دامت له الصلاة المنسحقة والقلب المحب }.

وشعرت بندم علي تصرفاتي القديمة ، ولكن الملاك استطرد :

-* { ثم هناك ولد آخر غاب عن فصلك أسبوعاً ثم اسبوعين فلم تفتقده وكل ما فعلته كموظف رسمي في مدارس الحد {!!!} أنك رصدته في سجلك ضمن الغائبين ، واستغل الولد عدم افتقادك فاستمر في غيابه ، وأنتهرت أنت فرصة غيابه المستمر : فشطبت أسمه من قائمتك }.

ونظر إلي الملاك في صرامة وقال :

{ لماذا لم تفقده ؟} وضعفت أمام حدة ونظرته . فصمت خوفا . بينما كرر سؤاله مرة أخرى في عنف " لماذا لم تفتقده ؟} وشعرت بعاصفة تجتاح رأسي ولم اجب ، بينما أرتعش الملاك في أضطراب :

  • { أن حالته الروحية تدعو الآن إلي الرثاء ولو استمر علي هذه الحالة فأنه سوف ..} واختلع صوت الملاك وصمت قليلاً ثم قال :

  • { أنني وكثير من الملائكة نصلي من أجله حتي ينقذه الله .. وعندما يستجيب الله صلاتنا ويرسل إليه خادما آخر أمينا في خدمته ، وعندما ينقذ الولد ، فإن انقاذه سوف لا يخليك من المسئولية }.

وكان صوته خافتا متألم لم أحتمل سماعه ، فشعرت بالناظر تدور أمام عيني ثم وقعت مغشيا علي ..

وعندما أفقت كان الملاك ينظر إلي في أشفاق ، وساعدتني نظرته علي التكلم فقلت :

{ سامحني يا سيدي الملاك فقد كان في فصلي ثلاثون ولدا لم استطع أن أفتقدهم جميعهم } فأجابني :

{ وحتي أنت وقعت في هذه التجربة ؟ في أغراء العدد ؟ أن الله لا يقيس الخدمة بعدد التلاميذ، وأنما بعدد المتجددين الخالصين منهم .. أنا أعرف أنه كان صعباً عليك أن تهتم بثلاثين ولدا من ناحية النظام والأفتقاد والرعاية والتعليم ، بل كان من الصعب عليك أن تحفظ مجرد أسمائهم ، فلم تستطع أن تقول مع المسيح { خرافي تعرفني وأنا أعرفها }. ولكن لماذا لم تقنصر في خدمتك علي عشرة أولاد مثلا }.

وفضلت الصمت لأني لم أجد جوابا . اما الملاك فإنه قال في اشفاق :

  • { هل تعلم ما هو أهم سبب في فشلك غير ما قلناه ؟ أنه اعتمادك علي نفسك . وهكذا نسيت أن تصلي وتصوم من أجل الخدمة . أن زملاءك مدرس مدارس الحد الذين في مدينة الخدام كانوا يقيمون صلاة وصوما خصيصا من اجل فصولهم ، وكانوا في كل يوم من ايام الأسوبع يذكرون أولادهم واحدا واحدا أمام الله طالبين طلبة خاصة من اجل كل واحد ، بل كاوا يطلبون من آبائهم الكهنة أقمة قداسات خاصة من أجل الأولاد فهل كنت كذلك

{ هذا كله عن الخدمة الروحية ، ثم ماذا عن خدمتك المادية ؟ هل ظننتها أمرا ثانويا ؟ الم تعلم أن الغني الذي عاصر اليعازر هلك لأنه لم يشفق على اليعازر المسكين ؟ ألم تسمع المسيح يقول للهالكين ر كنت جوعانا فلم تطعموني ، كنت عطشانا .. كنت عريانا .. كنت مرضا } فماذا فعلت أنت ؟ ألم تتمسك ببعض الكماليات بينما كان أخوتك محتاجين إلى الضروريات ؟ ألم ….}

ولم أحتمل أكثر من ذلك فصرحت في ألم { كفي يا سيدي الملاك ، الآن عرفت أنني غير مستحق مطلقا لدخول مدينة الخدام .
• فقد كنت مغرورا يا سيدي جدا – أما الآن وقد عرفت كل شئ فأني أطلب فرصة أخري أعمل فيها كخادم حقيقي }.

فقال لي الملاك : { لقد أعطيت لك الفرصة ولم تستغلها ثم أنتهت أيامك على الأرض …}
فألححت عليه وظللت أبكي وأرجوه ، أما هو فنظر إلي فوق اشفاق ومحبة وتركني ومضى وأنا ما أزال أصرخ { أريد فرصة أخري – أريد فرصة أخري } . فلما أختفي عن بصري وقعت علي قدمي وأنا اصرخ { أريد فرصة أخري } ثم دار الفضاء أمامي ولم أحس بشئ .

ومرت علي مرة وأنا في غيبوبة طويلة ، ثم أستفقت أخيراً وفتحت عيني ولكني دهشت . وازدات دهشتني جداً .. وظللت أنظر حولي وأنا لا اصدق ، ثم دققت النظر إلي نفسي فاذ بي ما أزال وحيدا في غرفتي الخاصة متمدداً علي مقعدي . يالرحمة الله … أحقا أعطيت لي فرصة أخري لاكون خادما صالحاً ؟ …
وقمت فقدمت لله صلاة شكر عميقة ، ثم عزمت أن أخير أخوتي بل شئ ليستحقوا هو ايضاً الدخول إلي مدينة الخدام . وهكذا أمسكت بعض أوراق بيضاء ، وأخذت أكتب { حدث في تلك الليلة ..}


يُمكنك قراءة كتاب إنطلاق الروح على هاتفك الأندرويد عبر تطبيق كتب البابا، نزله من هنا .


هو ذا تأتي ساعة وقد أنت الآن
تتفرقون كل واحد إلي خاصتـه.

واقف وحده .
كان ذلك المحب الحنون الطيب القلب يجول يصنع خيرا . ينتقل من قرية إلي قرية ومن مدينة إلي مدينة يكرز ببشارة الملكوت ، ويشفي كب مرض وكل ضعف في الشعب .. وهع ذلك ، اجتاز حياة مليئة بالألم . وكان الجميع يتركونه وحده ، علي الرغم من أنه في حنانه لم تيرك أحدا . وهكذا وجدناه وحيداً في متاعبه وآلامه ، وحيدا فيما يتعرض له من ظلم وأضهاد : لم يدافع عنه ا؛د ، ولم يقف إلي جواره أحد ، وإنما { جاز المعصرة وحدة }.

كان يصلي في نستان جسثيماني ، وكان يكلم الآب في لجاجة وقد سال { عرقة كقطرات دم نازلة
علي الأرض }، وهو يصرخ في أكتئاب { يا ابتاه أن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس } أما تلاميذه ، أحباؤه واصدقاؤه ، فقد نركوه وحده وناموا ، ثلاث مرات يرجوهم أن يسهروا معه واحدة وهو لا يستجيبون له ؟
{مت26: 38- 45}.

وعند القبض عليه تفرق تلاميذه كل واحد إلي خاصته وتركوه وحده كما سبق أن قال لهم { يو32:16}. ولما حوكم لم يدافع عنه أحد ، وهو الذي دافع عن اشهر الخطأة … وفي آلامه لكن هناك من يعزيه . أنه درس يعطيه لنا السيد الرب عندما يضطدنا الجميع ، وعندما يتركنا حتي تلاميذنا ايضاً ، ويقف كل منا وحده وليس في وقت الآلام فقط ، وإنما في كل حياته أيضاً .. كان يكلم اليهود في الهيكل مدثا اياهم عن التناول من جسده ودمه ، وإذ صعب علي البعض فهم هذا الأمر . يقول القديس يوحنا : {من هذا الوقت رجع كثيرون من تلاميذه إلي الوراء ولم يعودوا يمشون معه ، فقال يسوع للاثني عشر ألعكم أنتم ايضاً تريدون أن تمضوا }
{يو66:6}.

وفي مرة من المرات دعا البعض إليه ، فاعنذر واحد ببقرته التي يريد أن يختبرها ، وأعتذر الآخر مشغول بزوجته ، واعتذر الثالث لمشغوليته بحقله . وتركه الجميع وحده ، مع أنهم كانوا ثلاثتهم ممن أنعم عليهم {لو14: 18- 20}.

ويعوزني الوقت يا أخي ان حدثتك عن المسيح الواقف وحده الذي { إلي خاصته جاء وخاصته لم يقبله }{لو11:1}. ذلك النور الذي جاء إلي العالم واحب العالم الظلمة أكثر من النور }{يو19:3}.

كل ذلك حدث في القديم ومازال يحدث حتي الان . نفس الصورة القديمة : المسيح واقف ، والعالم منشغل عنه بملاذه وملاهيه وطيشه ، ليس من يهتم بيسوع ، ليس ولا واحد ، ليس من يجلس إليه كمريم أخت مرثا ، أو يتكئ في خضنه كيوحنا بن زبدي ، أو يغسل قدميه كالمرأة الخاطئة . والمسيح نفسه يشعر بهذه الروحدة ويعرف أن غالبية العالم منصرفة عنه بل أن الكتاب ليتساءل أكثر من هذا : عندمت يأتي المسيح إلي العالم ألعله يجد الإيمان علي الأرض ؟!

فهل أنت ايضاً تارك الرب يسوع وحده ، ألك ما يشغلك عنه أسأل نفسك ؟

كان وحيدا في تفكيره 🔗

قليلون كانوا يفكرون في المسيح ، وحتي هؤلاء الذين كاونو يفكرون فيه ويتحدثون معه ويستمعون إليه ، هؤلاء ايضاً كانت لهم طريقهتم الخاصة في التفكير ، التي كثيرا ما كانت تتعارض مع طريقة المعلم الصالح .
يذهب السيد إلي السامرة فتطردة تلك المدينة الخاطئة وتغلق أوبوابها في وجهه ، وهنا يلتفت التلميذان اللذان كانا مع المسيح ويقولان له : { أن شئت يارب أن تنزل نار من السماء وتحرق هذه المدينة }! ويرد عليهما السيد : { لستما تعلمان من أي روح أنتما [ن ابن الإنسان لم يأت ليهلك العالم بل ليخلص العالم }. كان هذان التلميذان يفكران بطريقة غير طريقة معلمهما الطيب الذي يشعر لأن له في هذه المدينة كثيروين مختارين .

هذا الشعور العدائي نحو السامريين ، اقتبسه التلاميذ من معرصريهم من الفريسيين والكتبو وغيرهم . أما السيد المسيح فكان وجيداً في تفكيره أزاء هؤلاء ، كان يحبهم ويعطف عليهم ويريد أن يجذبهم إليه : { وهكذا حدث الناس يحبهم ويعطف الصالح ، وسار علي قدمية مسافة طويلة ليهدي امرأة سامرية خاطئة ، ويتحدث إلي مدينة السامرة .

وهكذا كان السيد وحيدا في تفكيره أزاء الأمم أيضاً . كان هؤلاء محتقرين من الناس أما السيد المسيح فقال جهارا عن قائدالمئة الروماني : { الحق أقول لكم أنني لم اجد في إسرائيل أيمانا كايمان هذا الرجل }{مت10:8}. وقال هذا الكلام نفسه عن المرأة الكنعانية ر مت28:15}. وفي أغلب معاملات السيد للناس كان يقف وحده ، والعالم يقف بعيداً عنه من ناحية اخري .

يجتمع اليهود حول مرأة زانية ضبطت في ذات الفعل ، ممسكين جحارة فى أيديهم كى يرجموها . الجميع لهم فكر واحد. وهو أن تلك الخاطئة يجب أن تموت . ولكن يسوع له فكر أخر { من منكم بلا خطية فليقذفها بأول حجر }{يو7:8} هكذا قال لهم ، فانصرف الجميع ، وقال السيد للمرأة : { وأنا ايضاً لا أدينك . أذهبي بسلام }.

كان السيد المسيح يقف وحده بهذا القلب المحب ، والعالم القاسي يعجب منه ، هذا العالم المهتم بالظاهر اكثر من كل شئ : وليس أدل ذلك من حادثتي الأعميين ، والأطفال:

كان السيد خارجا من أريحا ، فأعترض طريقة أعميان يصرخان بصوت عال { أرحمنا يا سيد يا ابن داود }. وظن الناس يتفكيرهم العالمي أن هذا الصراخ يزعج رب المجد فانتهروا الأعميين ليسكتا { مت31:20}. أما يسوع الطيب القلب فنادي الأعميين إليه ، وفي حنان شفاهما ، أنه لا ينزعج من صراخ الناس وطلباتهم كما ينزعج الغير .

وتكرر هذا التصرف أيضاً عندما ازدحم حواليه الأطفال وظن الناس أن هؤلاء الصغار يضايقونه فانتهلاهم . أما هو فقال لهم : { دعوا الأطفال يأتون إلي ولا تمنعوهم لن لمثل هؤلاء ملكوت السموات }{مت14:19}.

كان وحيدا في فهمه للخدمة 🔗

بينما كان الجمع يفكر أن السيد قي جاء ليكون ملكا علي إسرائيل ، يحكم بأبهة الملوك ويخلص اليهود من اضطهاد الرومان ، كان السيد يفكر في مملكة روحية يملك بها علي قلوب الناس قائلاً لهم في أكثر من مناسبة : { مملكتي ليست من هذا العالم } {يو36:18}.

وعلي هذا الاساس كان يفهم الخدمة أنها صليب يحمله الخادم في ارض مبللمة بالعرق والدموع .. ولكن هذه الأفكار لم يكن بفهمها حتي تلاميذه ايضاً .

وهكذا إذ حدث التلاميذ أنه ينبغي أن يسلم للناس ويقتل ويموت ويقبر ، أخذه بطرس الرسول ناحية وبدأ يوبخه قائلاً { حاشاك يارب . لا يكون لك هذا }{مت22:26}. فأجابه السيد له المجد : { أسكت يا شيطان }، تري كيف كان يمكن أـن يخلص العالم لو نفذت نصيحة بطرس المسكين !

وهكذا ايضاً فيما كان السيد يضع صليبه أمام عينيه باستمرار ، نري التلاميذ يتركون معلمهم وحده في تفكيره ، متناقشين فيما بينهم وبين أنفسهم { من يكون فيهم رئيسا }! ونري ابني زبدي يأتيان إليه مع أمهما ساجدين طالبين ان يجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره ملكوته ! ولكن السيد يرد هذين التلميذين إلي المعرفة الحقيقية للخدمة وطريقها ويجيبهما : {لستما تعلمان ما تطلبان . أتستطيعان أن تشربا الكأس التي سوف أشريها أنا ، وأن تصطبغا بالصبغة التي أصطبغ بها أنا ؟} {مز38:10}.

وحتي في كنه الخدمة نجد السيد المسيح واقفا وحده في تفكيره . يجمع الناس غليه فيتحدث إليهم بكلام النعمة ساعات طويلة حتي إذا ما أقبل المساء يأتي إليه التلاميذ لويبتاعوا لهم طعاما }{لو12:9}. يا للتلاميذ . أنهم لم ينضجوا بعد ، هل كانوا يفكرون أن الخدمة مجرد كلام يلقي علي الناس ! أم أنها محبة عاملة ! وهكذا يرد عليهم السيد : { لا حاجة لهم ان يمضوا . أعطوهم أنتم ليأكلوا }.

وحيدا في الخدمة 🔗

العالم مزدحم بخدامه ، بل ان الخدام فيه لينافس بعضهم بعضاً ، وكل صاحب مشروع يجد كثيرين ينضمون إليه ويعاونونه . أما السيد له المجد فإنه واقف وحده .. لقد قال منذ عشرين قرنا تقريبا وما يزال حتي الآن : { الحصاد كثر والفعلة قليلون . أطلبوا من رب الحصاد ت، يرسل فعله لحصاده }{مت38:9}. ليس من ينضم إلي السيد في عمله . كل شخص يقول : { أحارس أنا لأخي ؟}{تك9:4}.

سأصف لك يا أخي العزيز بعض حالات رايتها بعيني …

• أمرأة فقيرة وزوجها وثمانية اولاد أكبرهم شاب طائش والذي يليه في السن صبي صغير . كل أيراد هذه الأسرة حوالي الأربعة قروش يكسبها الرجل يوميا مع بيع الليمون مثلا ، يشتري بها خبزا يتخاطفه الأولاد في جوع ، ثم تمر عليهم أوقات لا يجدون فيها ما يأكلونه ، فتحمل الأم المسكينة البعض منهم إلي ملجأ او جمعية لتتسول لهم طعاما ، وماذا إذن عن ملابسهم التي لا تستر من جسمهم شيئاً ، وكيف يحتلمون بهده الملابس برودة الشتاء وحرارة الصيف ، ثم ماذا عن أجرة حجرتهم وصاحبة البيت التي تهددهم بالطرد وتشبعهم سبا وإهانة كلما قصروا في دفع الإيجار .

• أمرأة أخري أرملة وأولادها ، كانت تعمل في جمعية دينية كحائكة للملابس مرضت شهرين ، وربما لضعفها بسبب قلة الغذراء ، فكانت النتيجة أن استغنت الجمعية عنها بسبب مرضها . ولما قامت الرولة الفقيرة من المرض ولست أدري تماما كيف عولجت ،

*) كلها حالات في بداية الخمسينيات وأواخر الأربعينات . وكيف دفعت ثمن الدواء !! أقول أنها لما قامت وجدت نفسها وحيدة والدنيا مظلمة حولها .

  • أرملة أخرى شابة ولها ولدان ، تسكن في حمام في بدروم في حجرة حقيرة في منتهي الرطوبة ، تدفع إيجارا لها ثلاثين قرشا ، وهي وأولادها مهددة بالسل وأمرأض أخري ، ومهددة قبل كل ذلك بالارتداد عن الدين وبالفساد والتشرد . وكيف تقتات ؟ تعمل كغسالة ، ولكنها لجوعها ضعيفة الصحة ، لا تقوي علي الغسيل فلا تجد من يستخدمها .

  • وهناك حالات أخري كثيرة ، والسيد المسيح واقف وحده يعتني بكل هؤلاء . يقيتهم ويجفف آلامهم ، ويعزيهم ويعلمهم الصبر و الاحتمال . وفي كل ذلك يريد أن يشرك معه البعض منا نحن الخطاة في شرف الخدمة ، ولكنه مع كل هذا ينظر فيجد الحصاد كثيرا والفعلة قليلين ، ويجد الجميع قد انصرفوا كل واحد إلي خاصته وتركوه وحده .

من الخاسر في هذه الوحدة ؟ 🔗

ليس هو السيد المسيح طبعا فهو ليس وحده ، لأن الآب معه وهو ليس محتاجا إلي عبوديتنا بل نحن المحتاجون إلي ربوبيته . وهو عندما يدعونا أن نقف معه في وحدته ، إنما يقصد خيرنا نحن بالذات . لأنه { أن كان الرب معنها فمن علينا } والذي يسير مع المسيح سيجد لذة روحية خاصة { تحت ظله اشتهيت أن أبيت}.
كما أنه في صحبة السيد لا يخاف شرا { أن سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شراً لأنك أنت معي }{وأن قام علي جيش ففي ذلك أنا مطمئن { عصاك وعكازك هما يعزياني }{مز23: ،مز27} هوذا المسيح ما يزال واقفا وحده يقرع علي الباب حتي إذا فتحت له يدخل ويتعشي معك وأنت معه .

فهل لا تزال مصراً أن تتركه واقفاً وحده ؟


يُمكنك قراءة كتاب إنطلاق الروح على هاتفك الأندرويد عبر تطبيق كتب البابا، نزله من هنا .


" في البدء خلق الله السمـــــــــاوات والأرض وكانت الأرض خربة وخاوية ، وعلي وجه الغمر ظلمة ، وروح الله يرف علي وجه المياه ، ثم قال الله ليكن نور ، فكان نور . ورأي الله النور أنه حسن . وفصل الله بين النور والظلمة . ودعا الله النور نهاراً، والظلمة دعاها ليلاً . وكان مساء وكان صباح يوماً واحداً " { تك1:1- 5}

لم تقل يارب { لا تكن ظلمة }، وإنما قلت { فليكن نور }. فكان نور ، وبقيت الظلمة ، ووجد الأثنان معا ..
فلماذا لم تقض علي الظلمة ، ما دام النور الذي رأيته كان حسنا في عينيك ؟ لمذا أبقيتها ؟ ولمذا أعطيتها أسما ؟ ولمذا سمحت ان يكون لها سلطان ، وقلت { هذه ساعتكم وسلطان الظلام }{لو22: 53}؟!
لماذا لم تجعل الكل نهارا ، والك نورا ، أيها النور الحقيقي ، النور الذي لا يدني منه ؟ لماذا سمحت بإن يكون الظلام موجودا، وبأن يحبه الناس اكثر من النور ؟! كان بامكانك أن تلغي الظلام الغاءاً فلا يكون . أو لا تسمح بوجوده قبل أن يوجد . ولكنك أبقيته علي الرغم من أنه لا يتفق مع طبيعتك ! فلماذا ؟

أن كنت قد سمحت أن يعيش الزوان مع الحنطة إلي يوم الحصاد ، حيث يلقي الزوان في النار ، فهل للظلمة ايضاً وقت تنتهي فيه ، ويعيش ابناء النور في النور ، النور الذي لم يستطيعوا الدنو منه عندما كانوا في الظلام؟ ولكن أليس حقا أن الأشرار يخلدون في الظلمة الخارجية ؟ إذن فالظلمة الخارجية خالدة هي أضاً ! ولكن خارج أورشليم السمائية ، بعيدة عن أولاد الله وبينها وبينهم هوة عميقة ..

متي وجد الظلام ؟ ر كان علي وجه الغمر ظلمة } . كان ذلك في بدء الخليقة كلها ، قبل ان يقول الرب { ليكن نور } فمنذ متي كان الظلام ؟ …
عندما كان الله وحده في الأزل ، لم يكن هناك ظلام ، لأنه لم يكن هناك سوي الله وحده ، والله نور . إذن فالظلام حدث فمتي حدث ؟ وكيف؟ ولماذا ؟ أجبني يارب فانني لا اعرف …
هل كانت الظلمة أقدم من النور بالنسبة إلي الخليقة ؟ ووما علاقة هذا بنظرية السديم ؟ بلا شك أن النور كان هو الأقدم . يقال أن هذه – الظلمة من الناحية الطبيعية – حدث من فاعلية حرارة المجموعة الشمسية المنيرة في الغمر ، فتبخرت المياة بكثرة وسرعة ، ومن كثرة البخر تكون ضباب كثيف جدا حجب نور السديم ، فصار علي وجه االغمر ظلمة .. علي انني لا اريد أن أهبط إلي المستوي هذا التفكير المادي ، إنما علي أن أتأمل في النور كما ينبغي … { كان علي وجه الغمر ظلمة} إذن كان هناك غمر ، وكانت هناك أرض ، وكانت هناك ظلمة .
لم تكن الأرض تعرف الله ولا كان الغمر يعرفه ، فهل عدم معرفة الله كلن هو الظلمة ؟
وعندما كان روح الله يرف علي وجه المياه ، والمياه لا تعرفه { النور اضاء في الظلمة ، والظلمة لم تدركه }؟
ثم قال الله { ليكن نور }، فكان نور . اكان ذلك النور هو سر تلك الآية الجميلة { السماوات تحدث بمجد الله ، والفلك يخبر بعمل يديه }{مز1:19} ؟

هل هذا هو أول نور دخل الي العالم ؟ ولكن واضح أنه بدخوله لم ينته زمن الظلمة . فلماذا كانت الظلمة إذن ؟ اريد يا رب أن أعرف . فهمني أنت . انر عقلي وروحي لأفهم اقوالك المحيية ..

وهناك أنواع من النور : قيل عن الشمس والقمر والنجوم أنها نور. وقال الرب لتلاميذه { أنتم نور العالم }. وقيل عن الابن { الإله المتجسد } أنه نور من نور ، حل ورأينا مجده . وقيل عن الآب { الذي لم يره أحد قط } انه نور لا يدني منه . وقيل عن قبول الإنسان لعمل اله فيه أنه استنارة … والخير عمدوما يسمي نورا ، والبر يسمي نورا ، والحكمة والمعرفة تسمي نورا .

في بادئ الأمر خلق الله النور المادي الذي ندركه بالحس ورأي الله النور انه حسن ، ولكن هذا النوع هو أقل درجة من درجات النور . وهناك نور آخر يتدرج في الخليقة الحية حتي يصل إلي الإنسان الذي يمكنه بالروح ان يدرك الله ذاته . فما هو كنه النور في النبات والحيوان بأنواعهما ؟ وما هي درجات رقيهما عن الجماد ؟ وما علاقة كل هذه الخليقة بالله قبل خلق الإنسان ؟ وما علاقته به بعد خلقه ؟ الله نور ، يفيض من نوره علي الطبيعة فتنير ، وايضاً علي العقل والنفس والحس والروح ، فيكون نورها من فيض نوره ولكن ليس من جوهره . كما أن الله هو الحياة ، وقد أعطس الخليقة حياة ولكنها ليست من جوهره وإنما من فيضه .
والله هو عقل وروح ، وقد أعطي الإنسان عقلا وروحا ، ولكنهما من فيضه أو من نعمته .. وهكذا .

لماذا رأي النور انه حسن ؟ لأنه موافق لطبيعته . فالله نور ليست فيه ظلمة البتة . أن الظلمة ليس فيها الله ، والا أصحبت نورا . والذين يخضعون للظلام ، سوف يلقون في الظلمة الخارجية ، أي نور خارج نطاق التمتع بالله .

أن كان الله قد فصل بين النور والظلمة ، فكيف دخلت الظلمة إلي الإنسان ؟ وكيف تأصلت فيه ، وكيف أحبها أكثر من النور ؟ أنها أسئلة ، اتركها لتأمل كل منا .

إنها يارب ساعة مباركة ، تلك التي أجلس فيها إلي ذاتي . ذلك لأني عندما أجلس إلي ذاتي ، إنما أجلس معك . إذ أنت في داخلي ، وأن كنت لا أراك كما كنت في العالم ، والعالم لم يعرفك .

لذلك يارب كانت احدي خطاياي الكبري في العالم ، هي الهروب من ذاتي .

لم يكن لي وقت لأجلس فيه مع ذاتي . وكل وقت كنت تفرغني فيه من المشغوليات والاهتمامات ، ويعطيني فرصة أجلس فيها إلي ذاتي ، وأجلس فيها معك ، كنت أنا – لفرط جهلي – أبحث عن مشغولية جديدة أو اهتمام جديد ، لأشغل بها الوقت ! كان الجلوس إلي ذاتي نوعا من الكسل ! كنت وأنا في العالم أعرف نظريا أهمية الجلوس إلي النفس ، ولكنني من الناحية العملية لم اعر هذا الأمر اهتماما . أو أن الشيطان لم يسمح لي أن أهتم بذلك . فكنت مشغولا علي الدوام ، مشغولية مستمرة لا تنقطع …

من أجل ذلك يارب ، لم أر الكنز الموجود داخل نفسي ، الذي هو أنت …

وعندما كنت أجلس بعض الوقت إلي ذاتي واري ولو شعاعا ضئيلا من ذلك الكنز ، كنت أخفيه إلي أن اجد وقتا أطول أتفرغ فيه له ، كنت اخفيه حتي أذهب أولا ، وأدفت أبي . واري حقلي واختبر بقري !
وأخيرا يارب ، عندما سمحت لي في يوم ما لا استطيع تحديده تماما ، أن أجلس إلي نفسي ذلك الجلسه الطويلة الهادئة . وأكتشف ذلك الكنز المخبأ فيها،عند ذلك بعت كل شئ وأشتريته ذلك الكنز الذي هو أنت ، فصرت ..

وهانذا يارب أعترف لك :
انني عندما أجلس غلي نفسي ، اشعر في كل مرة ان نفس أثمن من العالم كله { لأنه مذا يستفيد الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه ؟! } .
وعندما أشعر أن نفسي أثمن من العالم ، يصغر العالم في عيني جدا ، واخذ منك نعمة الزهد في كل شئ . وعندما أزهد كل شئ ، أنظر فأجدك أمامي تشجعني وتقول لي { لا تخف .. أنا معك }.

وعندما أجلس يارب إلي ذاتي ، ,اكتشف ما بداخلها ، وأري أيضاً ما فعله الغرباء الذين تطالوا علي مقادسك فيها .. وعندما اري ذلك ، وأعرضه عليك ، لكي تحفظ من الغرباء نفسي ، عندئذ تطول بي الجلسة ، وأجد اشياء كثيرة لأقولها لك ولها . عند ذلك تضؤل أمامي التعزيات البشرية ، ولا ابحث عن الاستئناس بالناس ، بل بالأكثر أحب الوحدة والخلوة والسكون ، حتي لا أحرم من تلك الجلسة اللازمة لي جدا ، التي تجلب لي الانسحاق والنقاوة . وأحيانا يارب ، عندما أجلس غلي ذاتي وأتعمق في بحثي داخلها ، اجد في بعض اركانها حيات وعقارب كامنة نائمة ، أو هي تحاول أن تأكل حبات قلبي في صمت أو في خفية ، وتنفث سمومها في دمي وفي فكري وفي مشاعري ، دون أن أردي …
وهذه عندما كنت أنظر إليها ، كانت تستيقظ وتلدغ ضميري وتتبعني . ولكني كثيرا ما كنت أتركها نائمة حتي لا تتعب نفسي ولكن ما الفائدة يارب في ان اتركها هكذا ، وأتعابي عنها باحثا عن نياح نفساني ؟!
خداع هو في الحقيقة ، وهرب من النفس …

أليس من الأفضل أن أكشف هذه الحيات وأقاتلها ؟ ارحمني يارب فإني ضعيف ، وشاعر وعجزي من مقاتلة أصغرها . الصلح أن اكشفها لك يارب ، وانت تقاتل عني { علي رجز الأعداء تمد يدك وتخلصني يمينك }.

وعندما أجلس يارب غلي نفسي ، اعرف حقيقتي ، وأردك انني تراب ورماد قدامك ، فتتضع نفسي في داخلي ، وتشعر بأن مجد العالم إنما هو طلاء خارجي زائف لا يغير من حقيقة النفس شئياً …

وعندما أجلس إلي ذاتي وأشعر بضعفي ، التصق بك بالأكثر . متأكدا أنني بدونك لا استطيع شيئا . وكلما ألتصق بك ، تكشف لي ذاتك ، فأري أنك أربع جمالا من بني البشر ، فأحبك ، وأحب الجلوس معك اكثر من جلوسي مع سائر الناس .. وفي كل مرة أعرف عنك شيئا جديدا ، فتزداد نفسي تعلقا بك .

أعطني يارب أن اترك الناس ، وانشغل بنفسي ، لربطها بك ثم اعطني يارب أن انسي نفسي ، وأنشغل بك ..


يُمكنك قراءة كتاب إنطلاق الروح على هاتفك الأندرويد عبر تطبيق كتب البابا، نزله من هنا .


لست أنا يارب الذي أذهب إليك ، لأني لا أعرف طريقة الوصول جيدا ، عقلي قاصر ، وروحي حبيسة ، وانا ايضاً مربوط إلي الجسد ، وهناك أشيائ كثيرة تعطيني : منها شهواتي ورغباتي .. وايضاً يارب لأني أحيانا اريد أن أتقرب إليك !!

ثم أني يارب ، مشغول عنك ! لدي اهتمامات كثيرة تعطلني وأنا من فرط شقاوتي وجهلي لا انزع عني الاهتمامات الباطلة وغنما أزيد عليها في كل يوم شيئاً جديدا .. فتعال أنت يارب إلي أكشف لأي ذاتي وأفتقدني – كأبن أو كعبد – أنت يا من كلك محبة ، بل أنت المحبة كلها .

لست أنا يارب الذي أبني لك بيتا في قلبي لتسكن فيه ، لأنه { أن لم يبن الرب البيت ، فباطلا تعب البناؤون }.. من أنا حتي أبني لك هيكلا مقدسا يحل فيه روحك عندي ؟ أنت يارب تبني أورشليم . فتعال ولا تنتظرني ، أذ قد يطول أنتظارك ولا أجئ ..

ليس بجهدي يارب ، ولكن بمعونتك ، ليس بقوتي ، لوكن بنعمتك . أنا من ذاتي لا استطيع أن أعرف ، ولكن انت تستطيع بمحبتك أن تكشف ذاتك لي .

وأنت لا تكشف لي ذاتك ، أن لم احبك ، ولكن كيف أحبك أن لم تكشف لي ذاتك . أكشف ذلتك لي
حتي ينمو حب لك . لأني كلما أري فيك شيا جديدا ، يزداد حبي لك بالأكثر ، وتتوطد علاقتي بك ، إذ كيف يمكن أن يحب الإنسان بمحبة حقيقية كلئنا أن لم يعرفه ولم يره ومعلوماته عنه غامضة ؟!

فاكشف لي ذاتك إذن ، لأن هذا هو المصدر الوحيد الذي أعرفك به معرفة حقيقية : ليس عن طريق الناس او الكتب ، بل معرفة الذي رأيناه بأعتننا ولمسناه بأيدينا ..

أنني لا استطيع أن اعرفك معرفة كاملة عن طريق الكتب او عن طريق الناس الذين عرفوك ، إذ أن هؤلاء أيضاً لا يستطيعون أن يعبروا عما رأوه فيك من صفات لا ينطق بها ، ولا يقوي لسان أن يتحدث عنها . بل كل ما يستطيعونه أنهم يشوقون السانع أو القارئ بقولهم : { تعال وأنظر ما أطيب الرب } أما أن يوضحوا حقيقاك فليس بامكانهم !

ولكن ان كشف لي ذاتك يارب ، فكيف استطيع أن اري وجهك بينما بدون القداسة لا يعاين أحد الرب ؟! والقداسة امر ليس في امكاني ، فقد كثر الذين يحزنونني واعتزوا أكثر مني ، وأنا ضعيف أمامهم جميعا : أما العالم الجسد والشيطان ، وأمام الرغبات والشهوات والفكار .

كثيرا ما أسقط ، وكثيرا ما ازل . والقداسة حلم اشتهيه ولكن اين لي به ! فهل معني هذا أنني سوف لا اراك ؟ اعطني يارب نقاوة اللقب التي بها أري وجهك . انضح علي بزوفاك فأطهر . أغسلني فأبيض اكثر من الثلج .

لماذا أصلي ؟ ولمذا أصوم ؟ ولماذا أختلي ؟ ولماذا أقرأ ؟ …
هل لكي أصبح رجل صلاة ، أو رجل صوم أو خلوة أو معرفة ؟
هل أحب أن أكون عادبا ؟ هل العبادة شهوة مستقلة في نفسي لها غرض خاص ؟
هل أريد أن تكبر نفسي ، أو أن أكبر في عيني نفسي ، عن طريق النجاح والنبوغ في هذا الطريق !؟
هل أنا مهتم بذاتي : ماذا أكون ؟ وكيف أكون ؟ ومتي أكون ؟ وكيف أتطور إلي افضل ؟…..
هل أنا أحب الله ذاته ، ا/ أحب الطريق الذي يوصل إليه ؟
هل أنا مثلا أحب الصلاة ، أم أحب الله الذي اصلي إليه ؟
أنني ألاحظ في نفسي أحيانا أخطاء كثيرة :
عندما أكمل مزاميري أفرح : لا لأني تحدثت مع الله ، وإنما لأنني راهب ناجح في القيام بقانونه وواجبه في العبادة !! وعندما لا أستطيع أن اصلي مزاميري جميعها ، أحزن : لا لأني فقدت متعة التحدث مع الله ، وإنما لأني راهب فاشل !! وهكذا ايضاً في صومي ، وفي سهري ، وفي قراءاتي …!

المسالة إذن شخصية بحثة . هي أنانية واضحة . اريد فيها أن اكبر في عيني نفسي علي حساب صلتي بالله .؟
متي ياتي الوقت الذي لا اصلي فيه مزمورا واحدا ، ومع ذلك أكون سعيدا لأني علي الرغم من ذلك كنت ثابتا في الله عن طريق اخر من العبادة .

هل أنا اصلي من اجل لذة ومتعة الحديث معك ، وحلاوة الوجود في حضرتك ، أم من أجل أن أكتسب فضيلة اصل بها إلي الحياة الأخري ؟ أم أنني اصلي لكي أتحدث معك حديثا أطلب فيه تلك الحياة ؟

هل الصلاة في نظري هدف في ذاتها أم مجرد وسيلة ؟

أن كنت أثور علي إنسان عطل خلوتي وصلاتي ، ومن أجل الصلاة والخلوة ، أفقد سلامي الداخلي ، وافقد سلامي مع الناس ، وبالتالي يتعكر قلبي وأفقد سلامي مع الله أيضا ، اذن فقد اصبحت الصلاة هدفا لا وسيلة ، وفي سبيل هذا الهدف قد أنحرف وأخطئ
أن العبادة هي مجرد طريق يوصل إلي الله ، ولكن الهدف هو الله ذاته . والمحبة طريق ، والخدمة طريق ، ولكن واحدا هو الهدف ، اعني الله .. لماذا إذن نفقد الله ما اجل المحافظة علي الطريق الذي يوصل إليه ؟ ومن أجل ان يكون هذا الطريق في الوضع الذي نشتهيه ؟

فلنحب الطريق لا لأنه شه في ذاته – وحقا هو شهي – وإنما لأنه يقودنا إلي الله . ولنسرع في الطريق ونعبره بسرعة لنصل إليه .
ولكمال هو أن يكون طريقنا إلي الله ، هو الله . لأنه ذاته … هو الطريق .


يُمكنك قراءة كتاب إنطلاق الروح على هاتفك الأندرويد عبر تطبيق كتب البابا، نزله من هنا .


{ هذه المقالة ليست لكل واحد ، إنها درجة روحية معينة ، الذين هم اقل منها ، لا ينتفعون بها }.

هوذا أنا هكذا يارب أتدخل باستمرار فيها لا يعنيني . لست أقصد التدخل في شئون غير من الناس ، كيف يتصرف ، وكيف تتصرف أنت معه – ولو أنني أقع كثيرا في هذا الخطأ – وإنما أقصد تدخلي في شئون نفسي . بينما هي أمور لا يعنيني أنا بقدرما تعنيك أنت ..

نفسي لست ملكي ، وإنما هي ملكك ، اشترها بدمك الكريم فأصبحت لك . وليس لي بعد أن اتدخل في شئونها ، لأنك أنت تدبرها حسب مشئيتك الصالحة الطوباوية .

علي إذن أن أنظر وأمجدك .
متي يأتي الوقت الذي لا أتدخل فيه في شئون نفسي ، وإنما أتركها لك : حيثما تسترني أسير ، وكيفما تصيرني أصير ؟ متي أرض بحالتي التي أرتضيتها أنت لي ، فلا الح عليك في تغييرها كأنك غافل عن صالحي ؟.

متي تتحول صلاتي من طلب إلي شكر؟ أو متي ابحث عن شئ أطلبه فلا أجد لأني لست أجد خيرا لي
الآن مما أنا فيه ؟..
متي يأتي الوةقت الذي يصبح فيه عملي الوحيد هو ألا أعمل شئياً ، وإنما اترك نفسي في يديك وانساها هناك ، ولا أذكر الا هاتين اليديين اللتين جبلتاني وصنعتاني واللتين كنت تضعهما علي كل واحد فتشفيه .

متي أؤمن بك الإيمان كله . فاستامنك علي حياتي تدبرها كيف تشاء ، أنت يا صانع الخيرات ، دون أن أقحم نفسي في عملك هذا واتلصص متجسسا عليك لأري ماذا تعمل بي !! وكيف تعمل .. وهل عملك مقبول أم لا !
وهل يستدعي الأمر تدخلا مني ام لا يستدعي ؟

آه يارب كم أنا وقح في تصرفي معك ! جاهل أنا وأتدخل في أعمال حكمتك محاولا أن أوقفها لأنقذ مشورتي الغبية !! كم يكون أحكمني لو أنني سكت وأخذت منك ومواقف المتفرج لا موقف الشريك . إذن لكنت أري عجائب من حكمتك ….

أنني يارب افكر كثيرا في ذاتي ، ولا أفكر ولو قليلا فيك أنني أثق كثيرا بذاتي ، ولا اثق ول قليلا بك . ذاتي هي صنمي متي يتحطم لكي أعبدك العبادة الحقة ؟ أن كنت لا أحطم بنفسي هذا الصنم لكونه جميلا في عيني ، أو لكونه محبوبا لدي جدا ، فتول أنت يارب تحطيمه ، وعند ذلك لا يبقي لك منافس في قلبي فأحبك ، ولا يبقي لك منافس في إيماني لإغبدك . لو كنت يارب افكر فيك بقدر ما أفكر في ذاتي ، ولو كنت اعتمد عليك بقدر ما أعتمد علي مقدرتي الخاصة ، ولو كنت أحبك بقدر ما احب نفسي ، أذا لأصبحت مثل أولئك القديسين الذين أنكروا انفسهم ليعرفوك .

متي تعتنقني يارب من ذاتي ؟ متي ؟ لا لكي اصير قديسا وإنما لكي أجدك .
متي تخرج من الحبس نفسي ، واطلق عبدك بسلام ؟ متي أضيع ذاني من أجلك لكي أجدك ؟ وحينئذ اجدها فيك . متي أهلك ذاتي من اجلك ؟ أذن لكانت تحيا بك . متي انظر إلي ذاتي فلا أجدها ، وإنما أجدك أنت ، متي أنظر إليها فأراك ؟ متي أنظر إلي العالم فأراك ؟ وإلي الناس فأراك ؟ وتصبح لي الكل في الكل وليس سواك .

هي تبيد وأنت تبقي ، وكلها كثوب تبلي ، وكرداء تطويها فتتغير . ولكن أنت انت وسنوك لا تفني .

قالوا لي : {أعرف نفسك }. وقالوا لي : { أدخل إلي ذاتك }. آه يارب هي ذاتي هذه سبب متاعبي كلها ..
متي أدخل إليها فلا أجدها ؟! …

كم مرة نظرت إلي ذاتي فوجدتها معلقة علي الصليب بلا حراك . فلما امعنت النظر إليها ، ابصرتك انت ، ففرحت . لم افرح بذاتي لنها ورثت الملكوت وإنما فرحت بك لأني وجدتك . ويخيل إلي أنني سوف لا اجدك في كل مرة الا هناك في وادي ظل الموت ، لأنني أن سرت في وادي ظل الموت فأنت معي . لقد خلقتنا للحياة ، ولكننا بخطيتنا أخترنا لنا الموت ، فاذا بك انت البسيط الذي كل شي طاهر قدامك ، تقدس الموت وتجعله لنا بابا للحياة !! بل هو الباب الوحيد للحياة . { من وجد نفسه يضيعها ، ومن اضاع نفسه من اجلي يجدها }{أنكر ذاتك واحمل صليبك وأتبعني }.

الإرتباط بك . لانني لم ادخل إلي الوحدة من اجلك ، وغنما من اجل نفسي . أما لترضي هي عن ذاتها ، أو ليرضي الناس عنها .
لكنني في السنة الثانية عرفت معني الانحلال من الكل بتفسير آخر ، وهو الاتحلال من نفسي ، لأنني أجعلها بالنسبة إلي الكل في الكل .

وفي السنو الثالثة اي معني سأعرفه لهذه العبارة ؟ ليست ادري . ليتني أكون قد نسيتها ،ونسيت التفكير في معناها ، من فرط الإنشغال بك .

كنت أقول عن اجتماعي بالأخوة ، أننا باجتماعنا معا علي الأرض هنا نعطل أنفسنا عن الإنشغال بالله ، وربما نتسبب بذلك في عدم أجتماعنا كلنا هناك معه في الأبد . واريد الان أن اقول ان اجتماعي بنفسي هو الذي يعطلني بالأكثر .

أنني اشعر أنني محتاج ، بين الحين والحين ، كلما أخلو إلي نفسي ، أن أقول لها : ر أتركيني الان ، فهذا خير لنا } أتركيني لكي أخلو بالله ، وبهذا استطيع أن أتمتع بوعده من ان تثبتي فيه }. فأجلس – لا مع ذاتي وإنما مع الله الحال في ذاتي


يُمكنك قراءة كتاب إنطلاق الروح على هاتفك الأندرويد عبر تطبيق كتب البابا، نزله من هنا .


أنت يارب موجود ، يحس الضعفاء وجودك فيتعزون ، وأن تذكر الأقوياء وجودك يرتعشون .
لذلك فعبارة { ربنا موجود } تبهج وترعب ، تعزي وتكدر .

ولكن علي الرغم من وجودك ، لإن كثيرين لا يحسونه ، وهكذا صاح سليمان الحكيم قائلاً : { ثم رجعت ورايت كل المظالم التي تجري تحت الشمس . فهوذا دموع المظلومين ولا معز لهم }{جا1:4}. فلماذا يارب تنظر وتصمت ؟
أرنا يارب رحمتك . اثبت وجودك .؟ لماذا يعيروننا قائلين : ر أين الرب ألهكم ؟} لماذا تنتظر حتي الهزيع الخير من الليل ، والتلاميذ مضطربون في السفينة ، والأمواج شديدة ؟ نعم ، لماذا تنتظر ، بينما يقول الكتاب أنك تأتي ولا تبطئ ؟ !
أسرع يارب أرسرع . لقد شكا داود من هذا الأبطاء ، قفال : { اللهم التفت إلي معونتي ، يارب أسرع وأعني . أنت معيني ومخلصي يارب فلا تبطئ }{مز69} نحن نعلم أن رحمتك ستأتي ، وأنه ليس لنا ان نعرف الأزمنة والأوقات التي جعلتها في سلطانك وحدك . لذلك سننتظر كل الوقت ، كما قال المرتل { أنتظرت نفسي الرب من حرس الصبح حتي الليل }….

ها نحن يارب ننتظر ، مؤمنين انك موجود ، وأنك لابد ستعمل . وستعمل بقوة ، وبحكمة ، وفي الوقت المناسب الذي تحدده رأفاتك غير المحدودة .. ما اجمل قول ربنا يسةع : { أبي يعمل حتي الآن ، وأنا أيضاً أعمل }…
فأعمل يارب إذن أعمل من أجل محبتك للعدل وللصلاح . وأعمل من اجل أن يطمئن الناي ، فيسلموا حياتهم في يدك ، ويتأملوا عملك وهم صامتون ، او يتأملوا عملك وهم ينشدون تلك الأغنية الجميلة { الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون }.

بل هم يتأملون عملك ، فيتغنون وهم مطمئنون { ربنا موجود ، نعم حقا : { ربنا موجود }…

نظمت هذه القصيدة في المغارة سنة 1960

كم قسا الظلم عليك كم سعي الموت إليك
كم صدمت باضطهادات وتعذيب وضنك
كم جرحت كيسوع بمسامير وشوك
عذبوك وبنيك طردوك ونفوك
ورميت بأكاذيب وبهتان وافك
عجبا كيف صمدت ضد كفران وشرك
هو صوت ظل يدري دائماً في اذنيك
يشعل القوة فيك حين قال الله عنك
ان أبواب الحجيم سوف لا تقوي عليك

لست في ارض ولدت قد ولدت في السماء
أنت من روح طهور لست من طين وماء
انت حق أنت قدس أنت نور وضياء
لك حقا ابتداء إنما ليس إنتهاء
أن سئلنا عنك قلنا ألف أنت وياء
من وراك ؟ هل وراك غير ينبوع الدماء ؟

مشاركة: